{فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ(11)بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ(12)وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ(13)وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ(14)وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ(15)أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ(16)أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ(17)قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ(18)فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ(19)وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ(20)هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ(21)}
{فَاسْتَفْتِهِمْ} أي فسلْ يا محمد هؤلاء المنكرين للبعث {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا}؟ أي أيهم أقوى بنيةً وأشد خلْقاً هل هم أم السماوات والأرض وما بينهما من الملائكة والمخلوقات العظيمة العجيبة؟ {إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} أي من طينٍ رخوٍ لزج لا قوة فيه، قال الطبري: وإِنما وصفه باللزوب لأنه ترابٌ مخلوطٌ بماء، وكذلك خُلِق ابنُ آدم من ترابٍ وماء، ونار وهواء، والترابُ إِذا خُلط بماءٍ صار طيناً لازباً، والغرضُ من الآية إِقامةُ البرهان على إعادة الإِنسان، فالذي خلقه من العدم وخلق هذه الخلائق، قادرٌ على إعادة الأجسام بعد الفناء {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ} أي بل عجبتَ يا محمد من تكذيبهم للبعث مع رؤيتهم آثار قدرة الله الباهرة، وهم يسخرون مما تقول لهم في ذلك، قال أبو السعود: المعنى عجبتَ من قدرة الله تعالى على هذه الخلائق العظيمة وإِنكارهم للبعث، وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث {وَإِذَا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ} أي وإِذا وُعظوا بالقرآن وخوّفوا به، لا يتعظون ولا يتدبرون {وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ} أي وإِذا رأوا آية باهرة، أو معجزة قاهرة تدل على صدقك كانشقاق القمر، وتكليم الشجر والحجر، يبالغون في السخرية أو يدعون غيرهم للسخرية والاستهزاء {وَقَالُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي ما هذا الذي جئتنا به يا محمد إلا سحر واضح بيِّن، قال في البحر: والإِشارة بـ "هذا" إلى ما ظهر على يديه عليه السلام من الخارق المعجز {أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} الاستفهام للإِنكار والاستهزاء أي أئذا أصبحت أجسادنا بالية، وتفتَّتت أجزاؤها إلى تراب وعظام سوف نبعث؟ {أَوَآبَاؤُنَا الأوَّلُونَ} أي أو ءاباؤنا الأولون كذلك سيُبعثون؟ قال الزمخشري: أي أيبعث أيضاً ءاباؤنا؟ وهذا زيادة في استبعاد الأمر، يعنون أنهم أقدم، فبعثُهم أبعدُ وأبطل {قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ} أي قل لهم نعم تُبعثون وأنتم صاغرون{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ} أي وما هي إِلا صيحة واحدة ينفخ فيها إسرافيل في الصور للقيام من القبور {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} أي فإِذا هم قيامٌ في أرض المحشر ينظر بعضهم إلى بعض، قال القرطبي: الزجرةُ: الصيحةُ وهي النفخةُ الثانية، وسميت زجرة لأن مقصودها الزجر، كزجر الإِبل، والخيل عند السَّوق .. ثم أخبر تعالى عن حسرتهم وندامتهم عند معاينتهم أهوال القيامة فقال {وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ} أي يا هلاكنا وخسارتنا هذا هو يوم الجزاء والحساب!! فتقول لهم الملائكة على سبيل التوبيخ والتقريع {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} أي هذا يوم الفصل بين الخلائق الذي كنتم تنكرون وتكذبون به، قال البيضاوي: الفصلُ: القضاءُ والتفريق بين المحسن والمسيء.