{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ(110)لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ(111)ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِئايَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(112)}
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي أنتم يا أمة محمد خير الأمم لأنكم أنفع الناس للناس ولهذا قال {أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} أي أخرجت لأجلهم ومصلحتهم، روى البخاري عن أبي هريرة قال: أي خير الناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإِسلام {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} وهذا بيان لوجه الخيرية كأنه قيل السبب في كونكم خير أمة هذه الخصال الحميدة روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال "من سرَّه أن يكون من هذه الأمة فليؤد شرط الله فيها".
ثم قال تعالى {وَلَوْ ءامَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} أي لو آمنوا بما أنزل على محمد وصدّقوا بما جاء به لكان ذلك خيراً لهم في الدنيا والآخرة {مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} أي منهم فئة قليلة مؤمنة كالنجاشي وعبد الله بن سلام، والكثرةُ الكثيرة فاسقة خارجة عن طاعة الله.
{لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذًى} أي لن يضروكم إلا ضرراً يسيراً بألسنتهم من سبٍّ وطعن {وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدْبَارَ} أي ينهزمون من غير أن ينالوا منكم شيئاً {ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} أي ثم شأنهم الذي أبشركم به أنهم مخذولون لا ينصرون، والجملة استئنافية .
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا} أي لزمهم الذل والهوان أينما وجدوا وأحاط بهم كما يحيط البيت المضروب بساكنه {إِلا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ} أي إلا إذا اعتصموا بذمة الله وذمة المسلمين، قال ابن عباس: بعهدٍ من الله وعهدٍ من الناس {وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} أي رجعوا مستوجبين للغضب الشديد من الله {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ} أي لزمتهم الفاقة والخشوع فهي محيطة بهم من جميع جوانبهم {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بئِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الأنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ} أي ذلك الذل والصغار والغضب والدمار، بسبب جحودهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ظلماً وطغياناً {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} أي بسبب تمردهم وعصيانهم أوامر الله تعالى.