{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(90)إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ(91)وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ(92)لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَءامنوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ(93)}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ} قال ابن عباس: الخمر جميع الأشربة التي تُسكر، والميسرُ القمار كانوا يتقامرون به في الجاهلية {وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ} أي الأصنام المنصوبة للعبادة والأقداح التي كانت عند سدنة البيت وخُدّام الأصنام، قال ابن عباس ومجاهد: الأنصاب حجارةٌ كانوا يذبحون قرابينهم عندها والأزلام: قداحٌ كانوا يستقسمون بها {رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} أي قذر ونجسٌ تعافه العقول، وخبيثٌ مستقذر من تزيين الشيطان {فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي اتركوه وكونوا في جانب آخر بعيدين عن هذه القاذورات لتفوزوا بالثواب العظيم .
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} أي ما يريد الشيطان بهذه الرذائل إِلا إِيقاع العداوة والبغضاء بين المؤمنين في شربهم الخمر ولعبهم القمار {وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} أي ويمنعكم بالخمر والميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم وعن الصلاة التي هي عماد دينكم، قال أبو حيان: ذكر تعالى في الخمر والميسر مفسدتين: إِحداهما دنيوية، والأخرى دينية، فأما الدنيوية فإِن الخمر تثير الشرور والأحقاد وتؤول بشاربها إِلى التقاطع، وأما الميسر فإِن الرجل لا يزال يقامر حتى يبقى سليباً لا شيء له وينتهي إِلى أن يقامر حتى على أهله وولده، وأما الدينية فالخمر لغلبة السرور والطرب بها تُلهي عن ذكر الله وعن الصلاة، والميسر - سواء كان غالباً أو مغلوباً - يلهي عن ذكر الله {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ} الصيغة للاستفهام ومعناه الأمر أي انتهوا ولذلك قال عمر: انتهينا ربّنا انتهينا، قال في البحر: وهذا الاستفهام من أبلغ ما يُنهى به كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيهما من المفاسد التي توجب الانتهاء فهل أنتم منتهون أم باقون على حالكم؟ {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} أي أطيعوا أمر الله وأمر رسوله واحذروا مخالفتهما {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} أي أعرضتم ولم تعملوا بأمر الله ورسوله {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي ليس عليه هدايتكم وإِنما عليه تبليغكم الرسالة وجزاؤكم علينا، قال الطبري: وهذا من الله وعيدٌ لمن تولى عن أمره ونهيه يقول تعالى ذكره لهم: فإِن توليتم عن أمري ونهي فتوقعوا عقابي واحذروا سخطي، وقال أبو حيان: وفي هذا من الوعيد البالغ ما لا خفاء به إِذ تضمّن أن عقابكم إِنما يتولاه المرسِلُ لا الرسول.
{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ ءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} قال ابن عباس: لما نزل تحريم الخمر قال قوم كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر فنزلت فأخبر تعالى أن الإِثم والذمّ إِنما يتعلق بفعل المعاصي والذين ماتوا قبل التحريم ليسوا بعاصين {إِذَا مَا اتَّقَوْا وَءامنوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أي ليس عليهم جُناحٌ فيما تناولوه من المأكول والمشروب إِذا اتقوا المحرَّم وثبتوا على الإِيمان والأعمال الصالحة { ثُمَّ اتَّقَوْا وَءامنوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} أي اتقوا المحرّم وءامنوا بتحريمه بمعنى اجتنبوا ما حرمّه الله معتقدين حرمته {ثُمَّ اتَّقَوْا وَءامنوا} أي ثم استمروا على تقوى الله واجتناب المحارم وعملوا الأعمال الحسنة التي تقربهم من الله {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} أي يحب المتقربين إِليه بالأعمال الصالحة، قال في التسهيل: كرّر التقوى مبالغةً وقيل: الرتبة الأولى: إِتقاء الشرك، والثانيةُ: اتقاء المعاصي، والثالثةُ: اتقاء ما لا بأس به حذراً مما به البأسُ.