{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ(100)بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(101)ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(102)لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ(103)}.
{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} أي وجعلوا الجنَّ شركاء لله حيث أطاعوهم في عبادة الأوثان {وَخَلَقَهُمْ} أي وقد علموا أنه تعالى هو الذي خلقهم وانفرد بإِيجادهم فكيف يجعلونهم شركاء له؟ وهذه الآية الجهالة {وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي واختلفوا ونسبوا إليه تعالى البنين والبنات حيث قالوا: عزيرٌ ابن الله والملائكة بناتُ الله سفهاً وجهالة {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} أي تنزّه الله وتقدس عن هذه الصفات التي نسبها إليه الظالمون وتعالى علواً كبيراً {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي مبدعهما من غير مثالٍ سبق {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} أي كيف يكون له ولد وليس له زوجة؟ والولد لا يكون إلا من زوجة {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} أي وما من شيء إلا هو خالقه والعالم به ومن كان كذلك كان غنياً عن كل شيء قال في التسهيل: والغرض الرد على من نسب لله الولد من وجهين: أحدهما أن الولد لا يكون إلا من جنس والده والله تعالى متعالٍ عن الأجناس لأنه مبدعها فلا يصح أن يكون له ولد، والثاني: أن الله خلق السموات والأرض ومن كان هكذا فهو غني عن الولد وعن كل شيء ثم أكّد تعالى على وحدانيته وتفرده بالخلق والإِيجاد فقال {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي ذلكم الله خالقكم ومالككم ومدبّر أموركم لا معبود بحق سواه {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} أي هو الخالق لجميع الموجودات ومن كان هكذا فهو المستحق للعبادة وحده {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي وهو الحافظ والمدبر لكل شيء ففوّضوا أموركم إليه وتوسلوا إليه بعبادته {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} أي لا تصل إليه الأبصار ولا تحيط به وهو يراها ويحيط بها لشمول علمه تعالى للخفيات {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي اللطيف بعباده الخبير بمصالحهم قال ابن كثير: ونفيُ الإِدراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة إذ يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء، فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه تعالى وتقدس فلا تدركه الأبصار ولهذا كانت عائشة تثبت الرؤية في الآخرة وتنفيها في الدنيا وتحتج بهذه الآية.