{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ(111)وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ(112)وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ(113)}.
{وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى} هذا بيانٌ لكذب المشركين في أيمانهم الفاجرة حين أقسموا {لئن جاءتهم ءاية ليؤمننَّ بها} والمعنى: ولو أننا لم نقتصر على إِيتاء ما اقترحوه من ءاية واحدة من الآيات بل نزلنا إِليهم الملائكة وأحيينا لهم الموتى فكلموهم وأخبروهم بصدق محمد صلى الله عليه وسلم كما اقترحوا {وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً} أي وجمعنا لهم كل شيء من الخلائق عياناً ومشاهدة {مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي لو أعطيناهم هذه الآيات التي اقترحوها وكل ءاية لم يؤمنوا إِلا أن يشاء الله، والغرضُ التيئيسُ من إِيمانهم {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} أي ولكنَّ أكثر هؤلاء المشركين يجهلون ذلك قال القرطبي: أي يجهلون أن الأمر بمشيئة الله، يحسبون أن الإِيمان إِليهم والكفر بأيديهم متى شاءوا ءامنوا، ومتى شاءوا كفروا، وليس الأمر كذلك، ذلك بيد الله لا يؤمن منهم إِلا من هداه له فوفقه، ولا يكفر إِلا من خذله تعالى فأضلُّه {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} أي كما جعلنا هؤلاء المشركين أعداءك يعادونك ويخالفونك كذلك جعلنا لمن قبلك من الأنبياء أعداء من شياطين الإِنس والجن، فاصبر على الأذى كما صبروا قال ابن الجوزي: أي كما ابتليناك بالأعداء ابتلينا من قبلك من الأنبياء ليعظم الثواب عند الصبر على الأذى {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ} أي يوسوس بعضهم إِلى بعض بالضلال والشر {زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} أي يوسوسون بالكلام المزيّن والأباطيل المموّهة ليغروا الناس ويخدعوهم قال مقاتل: وكَلَ إِبليسُ بالإِنس شياطينَ يُضلونهم فإِذا التقى شيطان الإِنس بشيطان الجن قال أحدهما لصاحبه: إِني أضللتُ صاحبي بكذا وكذا فأضللْ أنتَ صاحبك بكذا وكذا، فذلك وحيُ بعضهم إِلى بعض {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} أي بقدر الله وقضائه وإِرادته ومشيئته أن يكون لكل نبي عدوٌ من هؤلاء {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} أي اتركهم وما يدبرونه من المكائد فإِن الله كافيك وناصرُك عليهم {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} أي ولتميل إِلى هذا القول المزخرف قلوبُ الكفرة الذين لا يصدّقون بالآخرة {وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ} أي وليرضوا بهذا الباطل وليكتسبوا ما هم مكتسبون من الآثام.