{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ(116)إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ(117)فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآياتهِ مُؤْمِنِينَ(118) وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ(119)وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ(120)وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ(121)}.
{وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي إِن تطع هؤلاء الكفار وهم أكثر أهل الأرض يضلّوك عن سبيل الهدى قال الطبري: وإِنما قال {أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ } لأنهم كانوا حينئذٍ كفاراً ضُلاّلاً والمعنى: لا تطعهم فيما دعوك إِليه فإِنك إِن أطعتهم ضللتَ ضلالهم وكنت مثلهم لأنهم لا يدعونك إِلى الهدى وقد أخطأوه {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} أي ما يتبعون في أمر الدين إِلا الظنون والأوهام يقلّدون آباءهم ظناً منهم أنهم كانوا على الحق وما هم إلا قومٌ يكذبون {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} أي إِن ربك يا محمد أعلم بالفريقين بمن ضلّ عن سبيل الرشاد وبمن اهتدى إِلى طريق الهدى والسداد قال في البحر: وهذه الجملة خبيريةٌ تتضمن الوعيد والوعد لأن كونه تعالى عالماً بالضال والمهتدي كناية عن مجازاتهما {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآياتهِ مُؤْمِنِينَ} أي كلوا مما ذبحتم وذكرتم اسم الله عليه إِن كنتم حقاً مؤمنين قال ابن عباس: قال المشركون للمؤمنين إِنكم تزعمون أنكم تعبدون الله فما قتله الله - يريدون الميتة - أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم فنزلت الآية {وَمَا لَكُمْ أَلا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أي وما المانع لكم من أكل ما ذبحتموه بأيديكم بعد أن ذكرتم اسم ربكم عليه عند ذبحه؟ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} أي وقد بيَّن لكم ربكم الحلال والحرام ووضّح لكم ما يحرم عليكم من الميتة والدم وغيره في ءاية المحرمات إلا في حالة الاضطرار فقد أحلّ لكم ما حرّم أيضاً فما لكم تستمعون إِلى الشبهات التي يثيرها أعداؤكم الكافر؟ {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي وإِن كثيراً من الكفار المجادلين ليُضلون الناس بتحريم الحلال وتحليل الحرام بغير شرعٍ من الله بل بمجرد الأهواء والشهوات {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} أي المجاوزين الحدَّ في الاعتداء فيحلّلون ويحرمون بدون دليل شرعي من كتاب أو سنّة، وفيه وعيد شديد وتهديد أكيد لمن اعتدى حدود الله {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} أي اتركوا المعاصي ظاهرها وباطنها وسرَّها وعلانيتها قال مجاهد: هي المعصية في السر والعلانية وقال السدي: ظاهره الزنى مع البغايا وباطنه الزنى مع الصدائق والأخدان {إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ} أي يكسبون الإِثم والمعاصي ويأتون ما حرّم الله سيلقون في الآخرة جزاء ما كانوا يكتسبون {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أي لا تأكلوا أيها المؤمنون ممَّا ذُبح لغير الله أو ذكر اسم غير الله عليه كالذي يذبح للأوثان {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} أي وإِن الأكل منه لمعصيةٌ وخروجٌ عن طاعة الله {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} أي وإِن الشياطين ليوسوسون إِلى المشركين أوليائهم في الضلال لمجادلة المؤمنين بالباطل في قولهم: أتأكلون ممّا قتلتهم ولا تأكلون مما قتل الله؟ يعني الميتة {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} أي وإِن أطعتم هؤلاء المشركين في استحلال الحرام وساعدتموهم على أباطيلهم إِنكم إِذاً مثلهم قال الزمخشري: لأن من اتبع غير الله تعالى في دينه فقد أشرك به، ومن حق ذي البصيرة في دينه ألا يأكل مما لم يذكر اسم الله عليه كيفما كان للتشديد العظيم.