ذكر خبر المائدة
قال الله تعالى :" إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين * قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين * قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين * قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ".
قد ذكرنا في التفسير الآثار الواردة في نزول المائدة عن ابن عباس وسلمان الفارسي وعمار بن ياسر وغيرهما من السلف .
ومضمون ذلك : أن عيسى عليه السلام أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوماً ، فلما أتموها سالوا من عيسى إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم ، وتكون لهم عيداً يفطرون عليها يوم فطرهم ، وتكون كافية لأولهم وآخرهم لغنيهم وفقيرهم ، فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك وخاف عليهم ألا يقوموا بشكرها ولا يؤدوا حق شروطها فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك من ربه عز وجل .
فلما لم يقلعوا عن ذلك قام إلى مصلاه ولبس مسحاً من شعر وصف بين قدميه وأطرق رأسه وأسبل عينيه بالبكاء وتضرع إلى الله في الدعاء والسؤال أن يجابوا إلى ما طلبوا .
فأنزل الله تعالى المائدة من السماء والناس ينظرون إلها تنحدر بين غمامتين ، وجعلت تدنوا قليلاً قليلاً ، وكلما دنت سأل عيسى ربه عز وجل أن يجعلها رحمة لا نقمة وأن يجعلها بركة وسلامة . فلم تزل تدنوا حتى استقرت بين يدي عيسى عليه السلام وهي مفطاة بمنديل فقام عيسى يكشف عنها وهو يقول : بسم الله خير الرازقين فإذا عليها سبعة من الحيتان وسبعة أرغفة . ويقال : وخل ، ويقال : ورمان وثمار ، ولها رائحة عظيمة جداً ، قال الله كوني فكانت .
ثم أمرهم بالأكل منها ، فقالوا : لا نأكل حتى تأكل . فقال : إنكم الذين ابتدأتم السؤال لها ، فأبوا أن يأكلوا منها ابتداء ، فأمر الفقراء والمحاويج والمرضى والزمنى وكانوا قريباً من ألف وثلاثمائة فأكلوا منها فبرأ كل من به عاهة أ آفة أو مرض مزمن ، فندم الناس على ترك الأكل منها لما رأوا من إصلاح حال أولئك . ثم قيل إنها كانت تنزل كل يوم مرة فيأكل الناس منها ، يأكل آخرهم كما يأكل أولهم حتى قيل إنها كان ياكل منها نحو سبعة آلاف .
ثم كانت تنزل يوماً بعد يوم ، كما كانت ناقة صالح يشربون لبنها يوماً بعد يوم . ثم أمر الله عيسى أن يقصرها على الفقراء أو المحاويج دون الأغنياء . فشق ذلك على كثير من الناس وتكلم منافقوهم في ذلك ، فرفعت بالكلية ومسخ الذين تكلموا في ذلك خنازير .
وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير جميعاً ، حدثنا الحسن بن قزعة الباهلي ، حدثنا سفيان ابن حبيب ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة عن خلاس ، عن عمار بن ياسر ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" نزلت المائدة من السماء خبز ولحم وأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا ولا يرفعوا لغد ، فخانوا وادخروا ورفعوا ، فمسخوا قردة وخنازير ".
ثم رواه ابن جرير عن بندار ، عن ابن أبي عدي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن خلاس ، عن عمار موقوفاً . وهذا أصح . وكذا رواه من طريق سماك ، عن رجل من بني عجل ، عن عمار موقوفاً . وهو الصواب . . والله أعلم .
وخلاس عن عمار منقطع ، فلو صح هذا الحديث مرفوعاً لكان فيصلاً في هذه القصة ، فإن العلماء اختلفوا في المائدة : هل نزلت أولاً ؟ فالجمهور أنها نزلت كما دلت عليها هذه الآثار كما هو المفهوم من ظاهر سياق القرآن ولا سيما قوله :" إني منزلها عليكم " كما قرره ابن جرير والله أعلم .
وقد روى ابن جرير بإسناد صحيح إلى مجاهد وإلى الحسن بن أبي الحسن البصري . أنهما قالا : لم تنزل وإنهم أبوا نزولها حين قال :" فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين " ولهذا قيل إن النصارى لا يعرفون خبر المائدة وليس مذكوراً في كتابهم ، مع أن خبرها مما تتوافر الدواعي على نقله . . والله أعلم .
وقد تفصينا الكلام على ذلك في التفسير فليكتب من هناك ، ومن أراد مراجعته فلينظره من ثم . . ولله الحمد والمنة .
فصل
قال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا رجل سقط اسمه ، حدثنا حجاج بن محمد ، حدثنا أبو هلال محمد بن سليمان ، عن بكر بن عبد الله المزفي قال : فقد الحواريون نبيهم عيسى فقيل لهم توجه نحو البحر ، فانطلقوا يطلبونه فسا انتهوا إلى البحر إذا هو يمشي على المائدة يرفعه الموج مرة ويضعه أخرى . وعليه كساء مرتد بنصفه ومؤتزر بنصفه ، حق انتهى إليهم فقال له بعضهم ، قال أبو هلال ظننت أنه من أفاضلم : ألا أجيء إليك يا نبي الله ؟ قال : بلى . قال : فوضع إحدى رجليه على الماء ثم ذهب ليضع الأخرق فقال : أوه .. غرقت يا نبي الله . فقال :أرني يدك يا قصير الإيمان ، لو أن لابن آدم من اليقين قدر شعيرة مشى على الماء !
ورواه أبو سعيد عن الأعرابي ، عن إبراهيم بن أبي الجحيم ، عن سليمان بن حرب ، عن أبي هلال بن بكر بنحوه .
ثم قال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن سفيان ، حدثنا إبراهيم بن الأشعث ، عن ألفضيل بن عياش ، قال : قيل لعيسى ابن مريم : يا عيسى .. بأي شيء تمشي على الماء ؟ قال : بالإيمان واليقين . قالوا : فإنا آمنا كما آمنت وأيقنا كما أيقنت . قال : فامشوا إذن . قال : فمشوا معه في الموج فغرقوا فقال لهم عيسى : مالم ؟ فقالوا : خفنا الموج . قال :ألا خفتم رب الموج ؟ ! قال : فأخرجهم . ثم ضرب بيده إلى الأرض فقبض بها ثم بسطها . فإذا في إحدى يديه ذهب وفي الأخرى مدر- أو حصى - فقال ؟ أيهما أحلى في قلوبم ؟ قالوا : هذا الذهب . قال : فإنها عندي سواء !
وقدمنا في قصة يحيى بن زكريا عن بعض السلف أن عيسى عليه السلام كان يلبس الشعر ويأكل من ورق الشجر ولا يأوي إلى منزل ولا أهل ولا مال ولا يدخر شيئا لغد . قال بعضهم : كان يأكل من غزل أمه .. صلوات الله وسلامه عليه .
وروى ابن عساكر عن الشعبي أنه قال : كان عيسى عليه السلام إذا ذكر عنده الساعة صاح ويقول لا ينبغي لابن مريم أن يذكر عنده الساعة ويسكت .
وعن عبد الملك بن سعيد بن أبجر أن عيسى كان إذا سمع الموعظة صرخ صراخ الثكلى .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر : حدثنا جعفر بن بلقان ، أن عيسى كان يقول : اللهم إني أصبحت لا أستطيع دفع ما أكره ولا أملك نفع ما أرجو ، وأصبح الأمر بيدي غيري ، وأصبحت مرتهنا بعملي فلا فقير افقر مني ؟ اللهم لا تشمت بي عدوي ولا تسؤ بي صديقي ، ولا تجعل مصيبتي في ديني ولا تسلط علي من لا يرحمني .
قال الفضيل بن عياض عن يونس بن عبيد ، كان عيسى يقول : لا يصيب أحد حقيقة الإيمان حتى لا يبالي من أكل الدنيا !
قال الفضيل : وكان عيسى يقول : فكرت في الخلق فوجدت من لم يخلف أغبط عندي ممن خلق !
وقال إسحاق بن بشر ، عن هشام بن حسان ، عن الحسن ، قال : إن عيسى رأس الزاهدين يوم القيامة . قال : وإن الفزارين بذنوبهم يحشرون يوم القيامة مع عيسى .
قال : وبينما عيسى يوماً نائم على حجر قد توسده وقد وجد لذة النوم إذ مر به إبليس فقال : يا عيسى . . ألست تزعم أنك لا تريد شيئاً من عرض الدنيا ؟ فهذا الحجر من عرض الدنيا . قال : فقام عيسى فأخذ الحجر فرمى به إليه ، وقال هذا لك من الدنيا !
وقال معتمر بن سليمان : خرج عيسى على أصحابه وعليه جبة صوف وكسان وتبان حافياً باكياً شعثاً مصفر اللون من الجوع يابس الشفتين من العطش فقال : السلام عليكم يا بني إسرائيل ، أنا الذي أنزلت الدنيا منزلتها بإذن الله ولا عجب ولا فخر ، أتدرون أين بيتي ؟ قالوا : أين بيتك يا روح الله ؟ قال : بيتي المساجد ، وطي الماء ، وأدامي الجوع ، وسراجي القمر بالليل ، وصلاتي في الشتاء مشارق الشمس ، وريحاني بقول الأرض ، ولباسي الصوف ، وشعاري خوف رب العزة ، وجلسائي الزمنى والمساكين ، أصبح وليس لي شيء وأمسي وليس لي شيء ، وأنا طيب النفس غير مكترث فمن أعنى مني وأربح ! رواه ابن عساكر .
وروى في ترجمة محمد بن الوليد بن أبان بن أبي الحسن العقيلي المصري ، حدثنا هانئ ابن المتوكل الإسكندراني ، عن حيوة بن شريح ، حدثني الوليد بن أبي الوليد ، عن شفي بن ماتع ، عن أبي هريرة ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : أوحى الله تعالى إلى عيسى : أن يا عيسى . . انتقل من مكان إلى مكان لئلا تعرف فتؤذى ، فوعزتي وجلالي لأزوجنك ألف حوراء ولألمن عليك أربعمائة عام .
وهذا حديث غريب رفعه ، وقد يكون موقوفاً من رواية شفي ابن ماتع ، عن كعب الأحبار وأو غيره من الإسرائيلين . . والله أعلم .
وقال عبد الله بن المبارك : عن سفيان بن عيينة ، عن خلف بن حوشب ، قال : قال عيسى للحواريين : كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك فاتركوا لهم الدنيا .
وقال قتادة : قال عيسى عليه السلام : سلوني فإني لين القلب وإني صغير عند نفسي .
وقال إسماعيل بن عياش ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : قال عيسى للحواريين : كلوا خبز الشعير واشربوا الماء القراح واخرجوا من الدنيا سالمين آمنين ، بحق ما أقول لكم إن حلاوة الدنيا مرارة الآخرة ، وإن مرارة الدنيا حلاوة الآخرة ، وإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين ، بحق ما أقول لكم إن شركم علام يؤثر هواه على عالمه يود أن الناس كلهم مثله . وروى نحوه عن أبي هريرة .
قال أبو مصعب عن مالك إنه بلغه أن عيسى كان يقول : يا نبي إسرائيل عليكم بالماء القراح والبقل البرير وخبز الشعير ، وإياكم وخبز البر فإنكم لن تقوموا بشكره .
وقال ابن وهب ، عن سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : كان عيسى يقول : اعبروا الدنيا ولا تعمروها . وكان يقول : حب الدنيا رأس كل خطيئة ، والنظر يزرع في القلب الشهوة .
وحكى وهيب بن الورد مثله وزاد : ورب شهوة أورثت أهلها حزناً طويلاً .
وعن عيسى عليه السلام : يا ابن آدم الضعيف . . اتق الله حيث ما كنت ، وكن في الدنيا ضيفاً ، واتخذ المساجد بيتاً ، وعلم عيناك البكاء وجسدك الصبر وقلبك التفكر ، ولا تهتم برزق غد فإنها خطيئة .
وعنه عليه السلام أنه قال : كما أنه لا يستطيع أحدكم أن يتخذ على موج البحر داراً فلا يتخذ الدنيا قراراً .
وفي هذا يقول سابق البربري :
لكم بيوت بمستن السيوف وهل يبنى على الماء بيت أسه مدر
وقال سفيان الثوري : قال عيسى ابن مريم : لا يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن كما لا يستقيم الماء والنار في إناء .
وقال إبراهيم الحربي عن داود بن رشيد ، عن أبي عبد الله الصوفي قال : قال عيسى : طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر ، كلما ازداد عطشاً حتى يقتله .
وعن عيسى عليه السلام : إن الشيطان مع الدنيا ومكره مع الماء وتزينه مع الهوى ، واستمكانه عند الشهوات .
وبه قالت امرأة لعيسى عليه السلام : طوبى لحجر حملك ولثدي أرضعك . فقال : طوبى لمن قرأ كتاب الله واتبعه .
وعنه : طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته وحفظ لسانه ووسعه بيته .
وعنه : طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى غير إثم .
وعن مالك بن دينار قال : مر عيسى وأصحابه بجيفة فقالوا : ما أنتن ريحها ، فقال : ما أبيض أسنانها . لينهاهم عن الغيبة .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : يحدثنا الحسين بن عبد الرحمن ،عن زكريا بن عدي قال : قال عيسى ابن مريم : يا معشر الحواريين . . ارضوا بدني الدنيا مع سلامة الدين كما رضي أهل الدنيا بدني الدين مع سلامة الدنيا . قال زكريا : وفي ذلك يقول الشاعر :
أرى رجالاً بأدنى الدين قد قنعوا ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك كما استغنى الملوك بدنياهم عن الدين
وقال أبو مصعب عن مالك قال عيسى ابن مريم عليه السلام : لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم فإن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب العباد كأنكم أرباب وانظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان معافى ومبتلى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية .
وقال الثوري : سمعت أبي يقول عن إبراهيم التيمي ، قال : قال عيسى لأصحابه : بحق أقول لكم . . من طلب الفردوس فخبز الشعير والنوم في المزابل مع الكلاب كثير .
وقال مالك بن دينار : قال عيسى : إن أكل الشعير مع الرماد والنوم على المزابل مع الكلاب لقليل في طلب الفردوس .
وقال عبد الله بن المبارك : أنبأنا سفيان ، عن منصور ، عن سالم بن أبي الجعد ، قال : قال عيسى : اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم ، انظروا إلى هذه الطير تغدو وتروح لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها ، فإن قلتم نحن أعظم بطوناً من الطير فانظروا إلى هذه الأباقير من الوحوش والحمر فإنها تغدو لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها .
وقال صفوان بن عمرو : عن شريح بن عبد الله ، عن يزيد بن ميسرة ، قال : قال الحواريون للمسيح : يا مسيح الله . . انظر إلى مسجد الله ما أحسنه . قال : آمين آمين . . بحق ما أقول لكم يترك الله من هذا المسجد حجراً قائماً إلا أهلكه بذنوب أهله ، إن الله لا يصنع بالذهب ولا الفضة ولا بهذه الأحجار التي تعجبكم شيئاً إن أحب إلى الله منها القلوب الصالحة وبها يعمر الله الأرض ، وبها يخرب الله الأرض إذا كانت على غير ذلك .
وقال الحافظ أبو القاسم بن عساكر في تاريخه : أخبرنا أبو منصور بن محمد الصوفي : أخبرتنا عائشة بنت الحسن بن إبراهيم الوركانية ، قالت : حدثنا أبو محمد عبد الله بن عمر بن عبد الله ابن الهشيم إملاء ، حدثنا الوليد بن أبان إملاء ، حدثنا أحمد بن جعفر الرازي ، حدثنا سهيل بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا عبد الوهاب بن عبد العزيز ، عن المعتمر ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال :" مر عيسى عليه السلام على مدينة خربة ، فأعجبه البنيان فقال : أي رب . . مر هذه المدينة أن تجيبني ، فأوحى الله إلى المدينة : أيتها المدينة الخربة جاوبي عيسى . قال : فنادت المدينة : عيسى حبيبي وما تريد مني ؟ قال : ما فعلت أشجارك وما فعل أنهارك وما فعل قصورك وأين سكانك ؟ قالت : حبيبي . . جاء وعد ربك الحق فيبست أشجاري ونشفت أنهاري وخربت قصوري ومات سكاني . قال : فأين أموالهم ؟ فقالت : جمعوها من الحلال والحرام موضوعة في بطني ، لله ميراث السموات والأرض ، قال : فنادى عيسى عليه السلام : تعجبت من ثلاثة أناس : طالب الدنيا والموت يطلبه ، وباني القصور والقبور منزله ، ومن يضحك ملء فيه والنار أمامه ! ابن آدم . . لا بالكثير تشبع ولا بالقليل تقنع ، تجمع مالك لمن لا يحمدك وتقدم على رب لا يعذرك ، إنما أنت عبد بطنك وشهوتك ، وإنما تملأ بطنك إذا دخلت قبرك ، وأنت يا ابن آدم ترى حشد مالك في ميزان غيرك ". هذا حديث غريب جداً وفيه موعظة حسنة فكتبناه لذلك .
وقال سفيان الثوري عن أبيه ، عن إبراهيم التيمي ، قال عيسى عليه السلام : يا معشر الحواريين . . اجعلوا كنوزكم في السماء فإن قاب الرجل حيث كنزه .
وقال ثور بن زيد ، عن عبد العزيز ، ظبيان قال : قال عيسى ابن مريم عليه السلام : من تعلم وعلم وعمل دعي عظيماً في ملكوت السماء .
وقال أبو كريب : روي أن عيسى عليه السلام قال : لا خير في علم لا يعبر معك الوادي ويعبر بك النادي .
وروى ابن عساكر بإسناد غرب عن ابن عباس مرفوعاً : أن عيسى قام في بني إسرائيل فقال : يا معشر الحواريين . . لا تحدثوا بالحكم غير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم ، والأمور ثلاثة : أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه فاجتنبوه ، وأمر اختلف عليكم فيه فردوا علمه إلى الله عز وجل .
وقال عبد الرزاق : أنبأنا معمر ، عن رجل ، ، عن عكرمة قال : قال عيسى : لا تطرحوا اللؤلؤ إلى الخنزير فإن الخنزير لا يصنع باللؤلؤ شيئاً ، ولا تعطوا الحكمة من لا يريدها ، فإن الحكمة خير من اللؤلؤ ومن لا يريدها شر من الخنزير .
وكذا حكي وهب وغيره عنه أنه قال لأصحابه : أنتم ملح الأرض فإذا فسدتم فلا دواء لكم وإن فيكم خصلتين من الجهل ، الضحك من غير عجب والصبحة من غير سهر .
وعنه أنه قيل له : من أشد الناس فتنة ؟ قال : زلة العالم ، فإن العالم إذا زل يزل بزلته عالم كثير .
وعنه أنه قال : يا علماء السوء جعلتم الدنيا على رءوسكم والآخرة تحت أقدامكم ، قولكم شفاء وعلمكم داء مثلكم مثل شجرة الدقلي تعجب من رآها وتقتل من أكلها .
وقال وهب : قال عيسى : يا علماء السوء جلستم على أبواب الجنة فلا تدخلونها ولا تدعون المساكين يدخلونها ، إن شر الناس عند الله عالم يطلب الدنيا بعلمه .
وقال مكحول : التقى يحيى وعيسى ، فصافحه عيسى وهو يضحك فقال له يحيى : يا ابن الخالة مالي أراك ضاحكاً كأنك قد أمنت ؟ فقال له عيسى : مالي أباك عابساً كأنك قد يئست ! فأوحى الله إليهما : إن أحبكما إلي أبشكما بصاحبه .
وقال وهب بن منبه : وقف عيسى هو وأصحابه على قبر وصاحبه يدلي فيه ، فجعلوا يذكرون القبر وضيقه فقال : قد كنتم فيما هو أضيق منه في أرحام أمهاتكم ، فإذا أحب الله أو يوسع وسع .
وقال أبو عمر الضرير : بلغني أن عيسى كان إذا ذكر الموت يقطر جلده دماً .
والآثار في مثل هذه كثيرة جداً . وقد أورد الحافظ ابن عساكر منها طرفاً صالحاً اقتصرنا على هذا القدر . . والله الموفق للصواب .