{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ(5)يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ(6)وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ(7)لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ(8)}
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ} الكاف تقتضي مشبّهاً، قال ابن عطية: شبهت هذه القصة التي هي إِخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال وكراهتهم لما وقع فيها، والمعنى: حالهم في كراهة تنفيل الغنائم كحالهم في حالة خروجك للحرب، وقال الطبري: المعنى: كما أخرجك ربك بالحق على كرهٍ من فريقٍ من المؤمنين كذلك يجادلونك في الحق بعدما تَبيَّن، والحقُّ الذي كانوا يجادلون فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تبيّنوه هو القتال {وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} أي والحال أن فريقاً منهم كارهون للخروج لقتال العدو خوفاً من القتل أو لعدم الاستعداد.
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ} أي يجادلونك يا محمد في شأن الخروج للقتال بعد أن وضح لهم الحق وبان، وكان جدالهم هو قولهم: ما كان خروجنا إِلاّ للعير ولو عرفنا لاستعددنا للقتال {كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ} قال البيضاوي: أي يكرهون القتال كراهة من ينساق إِلى الموت وهو يشاهد أسبابه، وذلك لقلة عددهم وعدم تأهبهم، وفيه إِيماء إِلى أن مجادلتهم إِنما كانت لفرط فزعهم ورعبهم.
{وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} أي اذكروا حين وعدكم الله يا أصحاب محمد إِحدى الفرقتين أنها لكم غنيمة إِما العير أو النفير {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} أي وتحبون أن تلقوا الطائفة التي لا سلاح لها وهي العير لأنها كانت محمّلة بتجارة قريش، قال المفسرون: روي أن عير قريش أقبلت من الشام وفيها تجارة عظيمة برئاسة أبي سفيان، ونزل جبريل عليه السلام فقال يا محمد: إِن الله وعدكم إِحدى الطائفتين: إِما العير وإِما قريشا، فاستشار الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه فاختاروا العير لخفة الحرب وكثرة الغنيمة، فلما خرجوا بلغ الخبر أهل مكة فنادى أبو جهل: يا أهل مكة النجاء النجاءَ، عيركُم أموالكم إِن أصابها محمد فلن تفلحوا بعدها أبداً، فخرج المشركون على كل صعب وذلول ومعهم أبو جهل حتى وصلوا بدراً، ونجت القافلة فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه وقال لهم: إِن العير قد مضت على ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل، فقالوا يا رسول الله: عليك بالعير ودع العدو فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام سعد بن عبادة فقال: امض بنا لما شئت فإنا متبعوك، وقام سعد بن معاذ فقال: والذي بعثك بالحق لو خضت بنا البحر لخضناه معك فسرْ بنا على بركة الله، فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لأصحابه: سيروا على بركة الله وأبشروا فإِن الله قد وعدني إِحدى الطائفتين، والله لكأني أنظر إِلى مصارع القوم .
{وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ} أي يظهر الدين الحق وهو الإِسلام بقتل الكفار وإِهلاكهم يوم بدر {وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} أي يستأصل الكافرين ويهلكهم جملة من أصلهم، قال أبو حيّان: المعنى أنكم ترغبون في الفائدة العاجلة، وسلامة الأحوال، وسفساف الأمور، والله تعالى يريد معالي الأمور، وإِعلاء الحق، والفوز في الدارين، وشتّان ما بين المرادين، ولذلك اختار لكم ذات الشوكة وأراكم عياناً خذلانهم، فنصركم وهزمهم، وأذلهم وأعزكم {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ} متعلق بمحذوف تقديره: ليحق الحقَّ ويبطل الباطل فعل ما فعل والمراد إِظهار الإِسلام وإِبطال الكفر {وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} أي لو كره المشركون ذلك أي إِظهار الإِسلام وإِبطال الشرك.