{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(32)وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ(33)وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ(34)وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ(35)}
{وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} أي إِن كان هذا القرآن حقاً منزلاً من عندك {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} أي أنزل علينا حاصباً وحجارة من السماء كما أنزلتها على قوم لوط {أَوْ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} أي بعذاب مؤلم أهلكنا به، وهذا تهكم منهم واستهزاء، قال ابن كثير: وهذا من كثرة جهلهم وشدة تكذيبهم وعنادهم، وكان الأولى لهم أن يقولوا: اللهم إِن كان هو الحق من عندك فاهدنا له ووفقنا لاتباعه، ولكنهم استعجلوا العقوبة والعذاب لسفههم {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} هذا جواب لكلمتهم الشنعاء وبيان للسبب الموجب لإِمهالهم أي إِنهم مستحقون للعذاب ولكنه لا يعذبهم وأنت فيهم إِكراماً لك يا محمد، فقد جرت سنة الله وحكمته ألا يعذب أمة ونبيها بين ظهرانَيْها قال ابن عباس: لم تعذب أمة قط ونبيها فيها، والمراد بالعذاب عذاب الاستئصال {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} أي وما كان الله ليعذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون الله، وهو إِشارة إلى استغفار من بقي بين أظهرهم من المسلمين المستضعفين، قال ابن عباس: كان فيهم أمانان: نبي الله صلى الله عليه وسلم، والاستغفار، أما النبي فقد مضى، وأما الاستغفار فهو باق إِلى يوم القيامة .
{وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ} أي شيء لهم في انتفاء العذاب عنهم؟ وكيف لا يعذبون وهم على ما هم عليه من العتو والضلال؟ {وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} أي وحالهم الصد عن المسجد الحرام كما صدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية، وكما اضطروه والمؤمنين إِلى الهجرة من مكة، {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ} أي ما كانوا أهلاً لولاية المسجد الحرام مع إِشراكهم {إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ} أي إِنما يستأهل ولايته من كان براً تقياً {وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي ولكن أكثرهم جهلة سفلة فقد كانوا يقولون: نحن ولاة البيت والحرم، نصد من نشاء، وندخل من نشاء .. والغرض من الآية بيان استحقاقهم لعذاب الاستئصال بسبب جرائمهم الشنيعة، ولكن الله رفعه عنهم إِكراماً لرسوله عليه السلام، ولاستغفار المسلمين المستضعفين.
{وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} هذا من جملة قبائحهم أي ما كانت عبادة المشركين وصلاتهم عند البيت الحرام إِلا تصفيراً وتصفيقاً، وكانوا يفعلونهما إِذا صلى المسلمون ليخلطوا عليهم صلاتهم، والمعنى أنهم وضعوا مكان الصلاة والتقرب إِلى الله التصفير والتصفيق، قال ابن عباس: كانت قريش يطوفون بالبيت وهم عراةٌ يصفرون ويصفقون {فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} أي فذوقوا عذاب القتل والأسر بسبب كفركم وأفعالكم القبيحة، وهو إِشارة إِلى ما حصل لهم يوم بدر.