{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ(46)لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ(47)لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ(48)}
سبب النزول:
لما أراد صلى الله عليه وسلم الخروج إِلى تبوك قال "للجد بن قيس" - وكان منافقاً - يا أبا وهب: هل لك في جلاد بني الأصفر - يعني الروم - تتخذ منهم سراري ووصفاء؟ فقال يا رسول الله: لقد عرف قومي أني مغرم بالنساء، وإِني أخشى إِن رأيت بني الأصفر ألا أصبر عنهن فلا تفتني وأذَنْ لي في القعود.
{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} أي ولو أراد هؤلاء المنافقون الخروج معك للجهاد أو كانت لهم نية في الغزو لاستعدوا له بالسلاح والزاد، فتركهم الاستعداد دليل على إِرادتهم التخلف {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ} أي ولكن كره الله خروجهم معك {فَثَبَّطَهُمْ} أي كسر عزمهم وجعل في قلوبهم الكسل {وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} أي اجلسوا مع المخالفين من النساء والصبيان وأهل الأعذار، وهو ذم لهم لإِيثارهم القعود على الخروج للجهاد، والآية تسلية له صلى الله عليه وسلم على عدم خروج المنافقين معه إِذ لا فائدة فيه ولا مصلحة بل فيه الأذى والمضرة ولهذا قال :
{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلا خَبَالاً} أي لو خرجوا معكم ما زادوكم إِلا شراً وفساداً {وَلأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ} أي أسرعوا بينكم بالمشي بالنميمة {يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} أي يطلبون لكم الفتنة بإِلقاء العداوة بينكم {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} أي وفيكم ضعفاء القلوب يصغون إِلى قولهم ويطيعونهم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} أي عالم بالمنافقين علماً محيطاً بضمائرهم وظواهرهم {لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ} أي طلبوا لك الشر بتشتيت شملك وتفريق صحبك عنك من قبل غزوة تبوك كما فعل ابن سلول حين انصرف بأصحابه يوم أحد {وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ} أي دبروا لك المكايد والحيل وأداروا الآراء في إِبطال دينك {حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ} {وَهُمْ كَارِهُونَ} أي والحال أنهم كارهون لذلك لنفاقهم.