{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ(100)وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ(101)وَءاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَءاخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(102)}
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} أي والسابقون الأولون في الهجرة والنصرة، الذين سبقوا إِلى الإِيمان من الصحابة {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} أي سلكوا طريقهم واقتدوا بهم في سيرتهم الحسنة، وهم التابعون ومن سار على نهجهم إِلى يوم القيامة {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} وعدٌ بالغفران والرضوان أي رضي الله عنهم وأرضاهم، وهذا أرقى المراتب التي يسعى إِليها المؤمنون، ويتنافس فيها المتنافسون أن يرضى الله تعالى عنهم ويرضيهم، قال الطبري: رضي الله عنهم لطاعتهم إِياه وإِجابتهم نبيه، ورضوا عنه لما أجزل لهم من الثواب على الطاعة والإِيمان {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} أي وأعد لهم في الآخرة جنات تجري من تحت أشجارها وقصورها الأنهار {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} أي مقيمين فيها من غير انتهاء {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} أي ذلك هو الفوز الذي لا فوز وراءه، قال أبو حيّان: لما بيّن تعالى فضائل الأعراب المؤمنين، بيّن حال هؤلاء السابقين، ولكن شتان ما بين الثناءين فهناك قال {ألا إِنها قُرْبةٌ لهم} وهنا قال {وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} وهناك ختم {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وهنا ختم {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
{وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ} أي وممن حولكم يا أهل المدينة منافقون من الأعراب منازلهم قريبة من منازلكم {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ} أي ومن أهل المدينة منافقون أيضاً {مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ} أي لجوا في النفاق واستمروا عليه، قال ابن عباس: مرنوا عليه وثبتوا منهم ابن سلول، والجلاس، وأبو عامر الراهب {لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} أي لا تعلمهم أنت يا محمد لمهارتهم في النفاق بحيث يخفى أمرهم على كثيرين، ولكن نحن نعلمهم ونخبرك عن أحوالهم {سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ} أي في الدنيا بالقتل والأسر، وعند الموت بعذاب القبر {ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ} أي ثم في الآخرة يردون إِلى عذاب النار، الذي أعده الله للكفار والفجار .
{وَءاخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ} أي وقوم آخرون أقروا بذنوبهم ولم يعتذروا عن تخلفهم بالمعاذير الكاذبة، قال الرازي: هم قوم من المسلمين تخلفوا عن غزوة تبوك لا لنفاقهم بل لكسلهم، ثم ندموا على ما فعلوا وتابوا {خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَءاخَرَ سَيِّئًا} أي خلطوا جهادهم السابق وخروجهم مع الرسول لسائر الغزوات بالعمل السيء وهو تخلفهم عن غزوة تبوك هذه المرة {عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} أي لعل الله يتوب عليهم، قال الطبري: وعسى من الله واجب ومعناه: سيتوب الله عليهم، ولكنه في كلام العرب بمعنى الترجي {إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي ذو عفوٍ لمن تاب، عظيم الرحمة لمن أناب.