{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ(40)وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ(41)وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ(42)وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ(43)إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(44)}
{وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ} أي ومن هؤلاء الذين بعثتَ إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرءان ويتبعك وينتفع بما أُرسلتَ به {وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ} بل يموت على ذلك ويُبعث عليه {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه، ومن يستحق الضلالة فيضله .
{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} أي وإن كذَّبك هؤلاء المشركون فقل لي جزاء عملي ولكم جزاء عملكم حقاً كان أو باطلاً {أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} أي لا يؤاخذ أحد بذنب الآخر {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} أي يستمعون إليك إذا قرأت القرءان وقلوبهم لا تعي شيئاً مما تقرؤه وتتلوه {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ}؟ أي أنت يا محمد لا تقدر أن تسمع من سلبه الله السمع {وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ} أي ولو كانوا من الصمم لا يعقلون ولا يتدبرون؟ قال ابن كثير: المعنى ومن هؤلاء من يسمعون كلامك الحسن، والقرآن النافع، ولكنْ ليس أمر هدايتهم إليك، فكما لا تقدر على إسماع الأصم فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله .
{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ} أي ومن هؤلاء من ينظر إليك ويعاين دلائل نبوتك الواضحة، ولكنّهم عميٌ لا ينتفعون بما رأوا، أفأنت يا محمد تقدر على هدايتهم ولو كانوا عُمي القلوب؟ شبّههم بالعُمْي لتعاميهم عن الحق، قال القرطبي: والمراد تسلية النبي صلى الله عليه وسلم أي كما لا تقدر أن تخلق للأعمى بصراً يهتدي به، فكذلك لا تقدر أن توفّق هؤلاء للإِيمان {إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} أي لا يعاقب أحداً بدون ذنب، ولا يفعل بخلقه ما لا يستحقون {وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي ولكنَّهم يظلمون أنفسهم بالكفر والمعاصي ومخالفة أمر الله، قال الطبري: وهذا إعلامٌ من الله تعالى بأنه لم يسلب هؤلاء الإِيمان ابتداءً منه بغير جرم سلف منهم، وإنما سلبهم ذلك لذنوب اكتسبوها، فحقَّ عليهم أن يطبع الله على قلوبهم.