{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ(12)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ(13)فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(14)}
{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} كان المشركون يقترحون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك، وكانوا يستهزئون بالقرآن فقال الله تعالى له: فلعلك يا محمد تاركٌ بعض ما أُنزل إِليك من ربك فلا تبلغهم إِيَّاه لاستهزائهم {وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ} أي ويضيق صدرك من تبليغهم ما نزل عليك من ربك خشية التكذيب، والغرضُ تحريضُه صلى الله عليه وسلم على تبليغ الرسالة وعدم المبالاة بمن عاداه {أَنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ} أي لأجل أن يقولوا هلاّ أُنزل عليه مالٌ كثير {أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} أي جاء معه ملك يصدّقه كما اقترحنا، قال تعالى محدّداً مهمته عليه السلام {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} أي لست يا محمد إِلا منذراً تخوّف المجرمين من عذاب الله {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} أي قائم على شئون العباد يحفظ عليهم أعمالهم {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ} أي بل أيقولون اختلق محمد هذا القرآن وافتراه من عند نفسه؟ {قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} أي إِن كان الأمر كذلك فأتوا بعشر سور مثله في الفصاحة والبلاغة مفتريات فأنتم عرب فصحاء {وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي استعينوا بمن شئتم غير الله سبحانه {إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} في أنَّ هذا القرآن مفترى {فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} أي فإِن لم يستجب لكم من دعوتموهم للمعاونة وعجزوا عن ذلك فاعلموا أيها المشركون أنما نزل هذا القرآن بوحيٍ من الله {وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} أي لا ربّ ولا معبود إِلا الله الذي أنزل هذا القرآن المعجز {فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} لفظة استفهام ومعناه أمرٌ أي فأسلموا بعد ظهور هذه الحجة القاطعة إِذ لم يبق لكم عذر مانع من ذلك، قال ابن جزي: الاستفهام معناه استدعاءٌ إِلى الإِسلام، وإِلزامٌ للكفار أن يسلموا لما قام الدليل على صحة الإِسلام لعجزهم عن الإِتيان بمثل القرآن.