{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ(109)حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ(110)لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(111)}
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ} أي وما أرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً من البشر لا ملائكة من السماء، قال الطبري: أي رجالاً لا نساءً ولا ملائكة نوحي إليهم آياتنا للدعاء إلى طاعتنا، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات {مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} أي من أهل المُدن والأمصار لا من أهل البوادي، قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن، قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة { أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض فينظروا نظر تفكر وتدبر ما حلَّ بالأمم السابقين ومصارع المكذبين فيعتبرون بذلك؟ والاستفهام للتوبيخ {وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} أي الدار الآخرة خير للمؤمنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار {أَفَلا تَعْقِلُونَ} أي أفلا تعقلون فتؤمنون!! {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ} أي يئس الرسل من إيمان قومهم {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} أي أيقن الرسل أن قومهم كذّبوهم {جَاءهُمْ نَصْرُنَا} أي أتاهم النصر عند اشتداد الكرب، ففي اللحظة التي تستحكم فيها الشدة، ويأخذ فيها الكرب بالمخانق، ولا يبقى أملٌ في غير الله، في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً {فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين {وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} أي ولا يُردُّ عذابنا وبطشنا عن المجرمين إذا نزل بهم {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ} أي لقد كان في قصة يوسف وإِخوته عظة وتذكرة لأولي العقول النيِّرة {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} أي ما كان هذا القرآن أخباراً تُروى أو أحاديث تختلق {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ} أي ولكن كان هذا القرآن مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية المنزّلة من قبل {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ} أي تبيان كل ما يُحْتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام {وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدّقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.