{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17)قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18)قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى(19)فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى(20)قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى(21) }
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} أي وما هذه التي بيمينك يا موسى؟ أليست عصا؟ والغرض من الاستفهام التقريرُ والإِيقاظُ والتنبيهُ إِلى ما سيبدو من عجائب صنع الله في الخشبة اليابسة بانقلابها إِلى حية، لتظهر لموسى القدرة الباهرة، والمعجزة القاهرة، قال ابن كثير: إِنما قال له ذلك على وجه التقرير، أي أمّا هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها؟ فسترى ما نصنع بها الآن؟ {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أي أعتمد عليها في حال المشي {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أي أهزُّ بها الشجرة وأضرب بها على الأغصان ليتساقط ورقها فترعاه غنمي {وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} أي ولي فيها مصالح ومنافع وحاجات أُخَرى غير ذلك، قال المفسرون: كان يكفي أن يقول هي عصاي ولكنه زاد في الجواب لأن المقام مقام مباسطة وقد كان ربه يكلمه بلا واسطة، فأراد أن يزيد في الجواب ليزداد تلذذاً بالخطاب، وكلام الحبيب مريحٌ للنفس ومُذْهبٌ للعَناء {قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى} أي اطرح هذه العصا التي بيدك يا موسى لترى من شأنها ما ترى! {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حيَّةٌ تَسْعَى} أي فلما ألقاها صارت في الحال حية عظيمة تنتقل وتتحرك في غاية السرعة، قال ابن عباس: انقلبت ثعباناً ذكراً يبتلع الصخر والشجر، فلما رآه يبتلع كل شيءٍ خافه ونفر منه وولَى هارباً، قال المفسرون: لما رأى هذا الأمر العجيب الهائل، لحقه ما يلحق البشر عند رؤية الأهوال والمخاوف، لا سيما هذا الأمر الذي يذهب بالعقول، وإِنما أظهر له هذه الآية وقت المناجاة تأنيساً له بهذه المعجزة الهائلة حتى لا يفزع إِذا ألقاها عند فرعون لأنه يكون قد تدرَّب وتعوَّد {قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ} أي قال له ربه: خذْها يا موسى ولا تخفْ منها { سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأُولَى} أي سنعيدها إلى حالتها الأولى كما كانت عصا لا حيَّة، فأمسكها فعادت عصا.