{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ(84) }.
المنَــاسـَبـَـة:
لما ذكر تعالى جملةً من الأنبياء "إبراهيم، نوح، لوط، داود، سليمان" وما نال كثيراً منهم من الابتلاء، ذكر هنا قصة أيوب وابتلاء الله له بأنواع المحن ثم أعقبها بذكر محنة يونس وزكريا وعيسى وكلُّ ذلك بقصد التسلية للرسول صلى الله عليه وسلم ليتأسى بهم.
سَبَبُ النزّول:
عن ابن عباس قال: لما نزل قوله تعالى {إِنكم وما تعبدون من دون الله حصبُ جهنم} شقَّ ذلك على كفار قريش وقالوا: شتم آلهتنا وأتوا ابن الزَّبعري وأخبروه فقال: لو حضرتُه لرردتُ عليه قالوا: وما كنت تقول له ؟ قال أقول له: هذا المسيح تعبده النصارى، وهذا عزيز تعبده اليهود، أفهما من حصب جهنم ؟ فعجبت قريش من مقالته ورأوا أنَّ محمداً قد خصم فأنزل الله {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ}.
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} أي واذكر قصة نبيّ الله أيوب حين دعا ربَّه بتضرع وخشوع {أَنِّي مَسَّنِي الضُّرُّ} أي نالني البلاء والكرب والشدة قال المفسرون: كان أيوب نبياً من الروم، وكان له أولاد ومال كثير، فأذهب الله ماله فصبر، ثم أهلك الأولاد فصبر، ثم سلَّط البلاء والمرض على جسمه فصبر فمر عليه ملأ من قومه فقالوا: ما أصابه هذا إِلا بذنب عظيم فعند ذلك تضرَّع إِلى الله فكشف عنه ضره {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} أي أكثرهم رحمة فارحمني، ولم يصرّح بالدعاء ولكنه وصف نفسه بالعجز والضعف، ووصف ربه بغاية الرحمة ليرحمه، فكان فيه من حسن التلطف ما ليس في التصريح بالطلب {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ} أي أجبنا دعاءه وتضرعه { فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} أي أزلنا ما أصابه من ضر وبلاء {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} قال ابن مسعود: مات أولاده وهم سبعة من الذكور وسبعة من الإِناث فلما عوفي أُحيوا له وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات. والمعنى أعطيناه أهله في الدنيا ورزقناه من زوجته مثل ما كان له من الأولاد والأتباع {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} أي من أجل رحمتنا إِيّاه {وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} أي وتذكرة لغيره من العابدين ليصبروا كما صبر قال القرطبي: أي وتذكيراً للعُبَّاد لأنهم إِذا ذكروا بلاء أيوب ومحنته وصبره وطّنوا أنفسهم على الصبر على شدائد الدنيا مثل ما فعل أيوب وهو أفضل أهل زمانه، يُروى أنَّ أيوب مكث في البلاء ثمان عشرة سنة فقالت له امرأته يوماً: لو دعوتَ الله عز وجل فقال لها: كم لبثنا في الرخاء ؟ فقالت: ثمانين سنة فقال: إِني أستحيي من الله أن أدعوه وما مكثت في بلائي المدة التي مكثتها في رخائي.