{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ(93)فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ(94)وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ(95)حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ(96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ(97) }.
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} أي دينكم وملتكم التي يجب أن تكونوا عليها أيها الناس ملةٌ واحدة غير مختلفة وهي ملة الإِسلام، والأنبياء كلهم جاؤوا برسالة التوحيد قال ابن عباس: معناه دينكم دينٌ واحد {وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} أي وأنا إِلهكم لا ربَّ سواي فأفردوني بالعبادة {وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} أي اختلفوا في الدين وأصبحوا فيه شيعاً وأحزاباً فمن موحّد، ومن يهودي، ونصراني ومجوسّي {كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} أي رجوعهم إِلينا وحسابهم علينا قال الرازي: معنى الآية جعلوا أمر دينهم فيما بينهم قِطعاً كما تتوزع الجماعة الشيء ويقتسمونه تمثيلاً لاختلافهم في الدين وصيرورتهم فرقاً وأحزاباً شتى {فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أي من يعمل شيئاً من الطاعات وأعمال البرّ والخير بشرط الإِيمان {فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} أي لا بُطلان لثواب عمله ولا يضيع شيء من جزائه {وَإِنّا لَهُ كَاتِبُونَ} أي نكتب عمله في صحيفته والمراد أمر الملائكة بكتابة أعمال الخلق {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} قال ابن عباس: أي ممتنعٌ على أهل قرية أهلكناهم أن يرجعوا بعد الهلاك إِلى الدنيا مرة ثانية وفي رواية عنه {أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ} أي لا يتوبون قال ابن كثير: والأول أظهر وقال أبو حيّان: المعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا إِهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إِلى الإِيمان إِلى أن تقوم الساعة فحينئذٍ يرجعون {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} أي حتى إِذا فتح سدُّ يأجوج ومأجوج {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} أي وهم لكثرتهم من كل مرتفع من الأرض ومن كل أكمة وناحية يسرعون النزول والمرادُ أن يأجوج ومأجوج لكثرتهم يخرجون من كل طريق للفساد في الأرض {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ} أي اقترب وقت القيامة قال المفسرون: جعل الله خروج يأجوج ومأجوج علماً على قرب الساعة. قال ابن مسعود: الساعة من الناس بعد يأجوج ومأجوج كالحامل المتمّم لا يدري أهلُها متى تفْجؤهم بولدها ليلاً أو نهاراً {فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الضمير للقصة والشأن أي فإِذا شأن الكافرين أنَّ أبصارهم شاخصة من هول ذلك اليوم لا تكاد تطرف من الحيرة وشدة الفزع { يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} أي ويقولون يا ويلنا أي يا حسرتنا وهلاكنا قد كنا في الدنيا في غفلةٍ تامة عن هذا المصير المشؤوم واليوم الرهيب {بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ} أضربوا عن القول السابق وأخبروا بالحقيقة المؤلمة والمعنى لم نكن في غفلةٍ حيث ذكَّرتنا الرسلُ ونبَّهتنا الآيات بل كنا ظالمين لأنفسنا بالتكذيب وعدم الإِيمان.