{طس تِلْكَ ءاياتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ(1)هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ(2)الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ(3)إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ(4)أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ(5)وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ(6)}.
{طس} الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن وقد تقدم الكلام عليها {تِلْكَ ءاياتُ الْقُرْآنِ} أي هذه الآيات المنزَّلة عليك يا محمد هي ءاياتُ القرآن المعجز في بيانه، الساطع في برهانه {وَكِتَابٍ مُبِينٍ} أي وآياتُ كتابٍ واضحٍ مبين لمن تفكر فيه وتدبَّر، أبان اللهُ فيه الأحكام، وهدى به الأنام {هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} أي تلك ءايات القرآن الهادي للمؤمنين إلى صراطٍ مستقيم، والمبشر لهم بجنات النعيم، خصَّ المؤمنين بالذكر لانتفاعهم به {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} أي يؤدونها على الوجه الأكمل بخشوعها، وآدابها، وأركانها {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} أي يدفعون زكاة أموالهم طيبةً بها نفوسهم {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} أي يصدقون بالآخرة تصديقاً جازماً لا يخالجه شك أو ارتياب قال الإمام الفخر الرازي: والجملة إعتراضية كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات هم الموقنون بالآخرة، فما يوقن بالآخرة حقَّ الإيقان إلاّ هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق وقال أبو حيان: ولما كان {يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} مما يتجدَّد ولا يستغرق الأزمان جاءت الصلة فعلاً، ولما كان الإيمان بالآخرة بما هو ثابت ومستقر جاءت الجملة اسمية وأُكدت بتكرار الضمير {وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} وجاء خبر المبتدأ فعلاً ليدل على الديمومة، ولما ذكر تعالى المؤمنين الموقنين بالبعث، ذكر بعدها المنكرين المكذبين بالآخرة فقال {إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} أي لا يصدّقون بالبعث {زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} أي زينا لهم أعمالهم القبيحة حتى رأوها حسنة قال الرازي: والمراد من التزيين هو أن يخلق في قلبه العلم بما فيها من المنافع واللذات، ولا يخلق في قلبه العلم بما فيها من المضار والآفات {فَهُمْ يَعْمَهُونَ} أي فهم في ضلال أعمالهم القبيحة يترددون حيارى لا يميزون بين الحسن والقبيح {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ} أي لهم أشد العذاب في الدنيا بالقتل والأسر والتشريد {وَهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ} أي وخسارتهم في الآخرة أشد من خسارتهم في الدنيا لمصيرهم إلى النار المؤبدة والجحيم والأغلال {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ} أي وإنك يا محمد لتتلقى هذا القرآن العظيم وتُعطاه {مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ} أي من عند الله الحكيم بتدبير خلقه، العليم بما فيه صلاحهم وسعادتهم قال الزمخشري: وهذه الآية بسطٌ وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من الأقاصيص، وما في ذلك من لطائف حكمته، ودقائق علمه.