{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لاظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ(38)وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ(39)فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ(40)وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ(41)وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ(42)وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(43) }.
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلا مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} أي قال فرعون لأشراف قومه وسادتهم وهم حاشيته: لا أعلم لكم ربّاً سوايَ قال ابن عباس: كان بين هذه القولة الفاجرة وبين قوله {أَنا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} أربعون سنة، وكذب عدوُّ الله بل علم أن له رباً هو خالقه وخالق قومه {فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا} أي فاطبخ لي يا هامان الآجر فاجعل لي منه قصراً شامخاً رفيعاً { لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} أي لعلي أرى وأشاهد إله موسى الذي زعم أنه أرسله، قال ذلك على سبيل التهكم ولهذا قال بعده {وَإِنِّي لأظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي وإني لأظن موسى كاذباً في ادعائه أن في السماء رباً قال تعالى {وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} أي وتكبر وتعظم فرعون وقومه عن الإيمان بموسى في أرض مصر بالباطل والظلم {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ} أي واعتقدوا أن لا بعث ولا نشور، ولا حساب ولا جزاء {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ} أي فأخذناه مع جنوده فطرحناهم في البحر، وأغرقناهم فلم يبق منهم أحد {فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} أي فانظر يا محمد بعين قلبك نظر اعتبار كيف كان مئال هؤلاء الظالمين الذين بلغوا من الكفر والطغيان أقصى الغايات ؟ {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} أي وجعلناهم في الدنيا قادة وزعماء في الكفر يقتدي بهم أهلُ الضلال {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ} أي ويوم القيامة ليس لهم ناصر يدفع عنهم العذاب {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} أي جعلنا اللعنة تلحقهم في هذه الحياة الدنيا من الله والملائكة والمؤمنين {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} أي وفي الآخرة هم من المبعدين المطرودين من رحمة الله عز وجل.
{وَلَقَدْ ءاتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأُولَى} اللام موطئة للقسم أي والله لقد أعطينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمم التي كانت قبله كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم لوطٍ وغيرهم من المكذبين لرسلهم {بَصَائِرَ لِلنَّاسِ} أي ضياءً لبني إسرائيل ونوراً لقلوبهم يتبصرون بها الحقائق، ويميزون بها بين الحق والباطل {وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} أي وهدى من الضلالة، ورحمة لمن آمن بها ليتعظوا بما فيها من المواعظ والإِرشادات الإِلهية.