لقاء ربيعة بن عامر مع أمير الروم
ووصول الجيوش مع شرحبيل بن حسنة
ثم ركب جواده وسار حتى أتى جيش الروم وقرب من سرادق أميرهم.
فقال القداح: عظم جيش الملك وانزل عن جوادك.
فقال ربيعة رضي الله عنه: ما كنت بالذي أنتقل من العز إلى الذل ولست أسلم جوادي لغيري وما أنا بنازل إلا على باب السرادق وإلا رجعت من حيث جئت لأننا ما بعثنا إليكم بل أنتم بعثتم إلينا قال: فأعلم القداح الروم بما تكلم به ربيعة بن عامر.
فقال بعضهم لبعض: صدق العربي في قوله دعوه ينزل حيث أراد قال: فنزل ربيعة على باب السرادق وجثا على ركبته وأمسك عنان جواده بيده وسلاحه معه.
فقال له جرجيس: يا أخا العرب لم تكن أمة أضعف منكم عندنا وما كنا نحدث أنفسنا أنكم تغزوننا وما الذي تريدون منا.
فقال ربيعة: نريد منكم أن تدخلوا في ديننا وأن تقولوا بقولنا وإن أبيتم تعطونا الجزية عن يد وأنتم صاغرون وإلا فالسيف بيننا وبينكم.
فقال جرجيس: فما منعكم أن تقصدوا الفرس وتدعون الصداقة بيننا وبينكم.
فقال ربيعة: بدأنا بكم لأنكم أقرب إلينا من الفرس وإن الله تعالى أمرنا في كتابه بذلك قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة} [التوبة: 123]. قال جرجيس: فهل لك أن تعقد الصلح بيننا وبينكم وأن نعطي كل رجل منكم دينارًا من ذهب وعشرة أوسق من الطعام وتكتبوا بيننا وبينكم كتاب الصلح لا تغزون إلينا ولا نغزوا إليكم.
قال ربيعة: لا سبيل إلى ذلك وما بيننا وبينكم إلا السيف أو أداء الجزية أو الإسلام.
قال جرجيس: أما ما ذكرت من دخولنا في دينكم فلا سبيل إلى ذلك ولو نهلك عن آخرنا لأننا لا نرى لديننا بدلًا.
وأما إعطاء الجزية فإن القتل عندنا أيسر من ذلك وما أنتم بأشهى منا إلى القتال والحرب والنزال لأن فينا البطارقة وأولاد الملوك رجال الحرب وأرباب الطعن والضرب.
قال جرجيس لأصحابه: علي بأنفس صقالبة حتى يناظروا هذا البدوي في كلامه.
قال: وكان الملك هرقل قد بعث معهم قسيسًا عظيمًا عارفًا بدينهم مجادلًا عن شرعهم.
قال: فأتى الحاجب به فلما استقر به الجلوس قال له جرجيس: يا أبانا أستخبر من هذا الرجل عن شريعتهم وعن دينهم.
فقال القسيس: يا أخا العرب إنا نجد في علمنا أن الله تعالى يبعث من الحجاز نبيًا عربيًا هاشميًا قرشيًا علامته أن الله تعالى يسري به إلى السماء أكان ذلك أم لا قال: نعم أسرى به وقد ذكره ربنا في كتابه العزيز بقوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا}. [الإسراء: 1]. قال القسيس: إنا نجد في كتابنا أن ربنا يفرض على هذا النبي وأمته شهرًا يصومونه يقال له شهر رمضان.
قال ربيعة: نعم وقد قرأنا في القرآن العظيم {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} [البقرة: 85]. فقال القسيس: إنا وجدنا في كتابنا أن من أحسن حسنة تكتب بعشرة.
قال ربيعة: نعم قال الله تعالى: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون} [الأنعام: 160]. قال القسيس: إنا نجد في كتابنا أن الله يأمر أمته بالصلاة عليه.
قال ربيعة: نعم وقد قال الله في كتابه العزيز: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [الأحزاب: 56]. قال: فعجب القسيس من كلامه وقال للبطارقة: إن الحق مع هؤلاء القوم.
فقال بعض الحجاب: إذ هذا هو الذي قتل أخاك.
فلما سمع ذلك ازورت عيناه وغضب غضبًا شديدًا وهم أن يثب على ربيعة ففهم ربيعة ذلك منه فوثب من مكانه أسرع من البرق وضرب بيده إلى قائم سيفه وعجل جرجيس بضربة فجندله صريعًا قتيلًا ووثب على فرسه فركبها فأسرعت البطارقة إليه وهو راكب فحمل فيهم ونظر يزيد بن أبي سفيان إلى ذلك.
فقال للمسلمين: إن أعداء الله قد غدروا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدونكم وإياهم فحمل المسلمون على المشركين واختلط الجيش بالجيش وصبرت الروم لقتال العرب فبينما هم في القتال أشرفت جيوش المسلمين مع شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر المسلمون إلى إخوانهم في القتال حملوا على القوم حملة صادقة وحكمت سيوفهم في قمم الروم.
قال الواقدي: لقد بلغني أن الثمانية آلاف المذكورة من الروم لم ينج منهم أحد لأن العرب التقطوهم بسبق الخيل وبعد الشام من تبوك ثم إن المسلمين أخذوا أموال وخيامهم ثم سلموا على شرحبيل ومن معه وجمعوا المال والغنائم.