قيادة شرحبيل بن حسنة لأربعة آلاف فارس إلى بصرى
وكان أبو عبيدة وجه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بصرى في أربعة آلاف فارس.
قال: فسار على فنائها وكان على بصرى بطريق عظيم الشأن والقدر عند الملك وعند الروم اسمه روماس وكان قرأ الكتب السالفة والأخبار الماضية وكان يجتمع إليه الروم من أقصى بلادها ينظرون إلى عظيم خلقته ويسمعون ألفاظ حكمته وكانت آهلة بالخلق عامرة بالناس وكان فيها ألف فارس وكان العرب يقصدونها ببضائعهم وتجارتهم من أقصى اليمين وبلاد الحجاز فإذا كان في أيام الموسم ينصب لبطريقهم كرسي ليجلس عليه ويجتمع الناس إليه ويستفيدون من علمه وحكمته فبينما هم قد اجتمعوا إليه وقعت الضجة بقدوم شرحبيل بن حسنة وعسكره فبادر إلى جواده فركبه وصاح في قومه فأجابوه وقال: لا تتحدثوا حتى نسمع كلام القوم وما عندهم ثم سار حتى قرب من شرحبيل بن حسنة وجيشه ونادى: معشر المسلمين أنا روماس وإني أريد صاحبكم.
قال: فخرج إليه شرحبيل فلما قرب منه قال البطريق: من أنتم.
قال شرحبيل: من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم النبي الأمي فقال شرحبيل: قبضه الله إليه.
فقال البطريق: فمن ولي الأمر بعده.
قال: عتيق بن أبي قحافة بن بكر بن تيم بن مرة.
فقال روماس: وحق ديني لقد أعلم بأنكم على الحق ولا بد لكم أن تملكوا الشام والعراق وأنا أشفق عليكم إذ أنتم في جمع يسير ونحن في جمع كثير ولكن ارجعوا إلى بلادكم فإنا لا نتعرض لكم.
واعلم يا أخا العرب أن بكر هو صاحبي ورفيقي ولو كان حاضرًا ما قاتلني.
فقال شرحبيل: لو كنت ولده أو ابن عمه لما عفا عنه إلا أن يكون من أهل ملته وليس له من الأمر شيء لأنه مكلف وقد أمره الله أن يجاهدكم ولسنا نبرح عنكم إلا بإحدى ثلاث: إما أن تدخلوا في ديننا أو تؤدوا الجزية أو السيف.
فقال روماس: وحق ما أعتقده من ديني: لو كان الأمر إلي أقاتلكم لأني أعلم أنكم على حق وهؤلاء طواغية الروم وقوم مجتمعون وإني أريد أن أرجع إليهم وأنظر ما عندهم.
فقال شرحبيل: ارجع إليهم فلا بد لكم بما ذكرت.
قال: فعاد روماس إلى قومه وجمعهم وقال: يا أهل دين النصرانية وبني ماء المعمودية الذي كنتم تعتقدونه في كتبكم من الخروج من بلادكم ودياركم ونهب أموالكم قد قرب وهذا وقته وزمانه ولستم بأعظم جيشًا من روبيس سار إلى شرذمة من العرب بأرض فلسطين.
فقتل وقتل من معه وانهزم الباقون ولقد بلغني أن رجلًا منهم قد خرج أرض السماوة صوب العراق اسمه خالد بن الوليد وقد فتح أركة والسخنة وتدمر وحوران وهو عن قريب يحضر إليكم والصواب أن تؤدوا الجزية عن يد إلى هؤلاء العرب وينصرفون عنكم.
قال: فلما سمع قومه ذلك غضبوا وشوشوا وهموا بقتله.
فقال روماس: يا قوم إنما أردت أن أختبركم وأرى حمية دينكم والآن دونكم والقوم وأنا أولكم.
قال: فرجعت الروم إلى عددها وعديدها وتظاهروا بالدروع البيض وقادوا الجنائب وتهيئوا للحملة.
فلما رأى شرحبيل بن حسنة ذلك وعظ أصحابه.
وقال: اعلموا رحمكم الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الجنة تحت ظلال السيوف). وأحب ما قرب إلى الله قطرة دم في سبيل الله أو دمعة جرت في جوف الليل من خشية الله.
قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102]. ثم حمل وحمل المسلمون على جيش بصرى.