معارك الشام
قال الواقدي رحمه الله تعالى: فلما سمع جرجيس كلام خالد تأخر إلى ورائه وقد تغير لونه فقال له كلوس: يا ويلك رأيتك في بدايتك تهيم كالسبع فما لك قد تأخرت فقال: وحق المسيح ما أعلم أنه الفارس الجحجاح وبطلهم الفصاح هذا صاحب القوم الذي ملأ الشام شرًا.
فقال كلوس: يا جرجيس اسأله أن يؤخر الحرب بيننا إلى غد فالتفت إلى خالد وقال له: يا سيد قومك هذا صاحبي يريد أن يرجع إلى قومه ليشاورهم.
فقال خالد: ويحك أتريد أن تخدعني بالكلام وأقبل برمحه في وجه جرجيس.
فلما نظر جرجيس ذلك انعقد لسانه وولى هاربًا.
فلما رأى خالد ذلك طلب كلوس وحمل عليه وتطاعنا واحترز البطريق من طعنات خالد فلما نظر خالد احتراز البطريق حط يده في أطواقه وجذبه فقلعه من سرجه.
فلما نظر المسلمون فعل خالد كبروا بأجمعهم وتسابق الفرسان إلى خالد فلما قربوا منه رمى لهم البطريق وقال أوثقوه كتافًا فصار يبربر بلسانه فأتى المسلمون بروماس صاحب بصرى وقالوا له: اسمع ماذا يقول فقال لهم: يقول لكم لا تقتلوني فأني أجبت صاحبكم في المال والجزية.
فقال خالد: استوثقوا منه ثم نزل عن جواده وركب جوادًا أهداه له صاحب تدمر وعزم أن يهجم على الروم.
فقال ضرار بن الأزور: أيها الأمير دعني أنا أحمل على القوم حتى تستريح أنت.
فقال: يا ضرار: الراحة في الجنة غدًا ثم عول خالد على الحملة فصاح به البطريق كلوس وقال: وحق دينك ونبيك إلا ما رجعت إلي حتى أخاطبك فرجع خالد إليه وقال لروماس: اسأله ما يريد.
فقال: أعلمه أني صاحب الملك وقد بعثني إليكم في خمسة آلاف فارس لأردكم عن بلده وأهله ورعيته وقد تحاججت أنا وعزازير متولي دمشق وقدم إلي معه كذا وكذا وأنا أسألك بحق دينك إذا خرج إليك فاقتله وإن لم يخرج إليك فاستدعه واقتله فإنه رأس القوم.
فإن قتلته فقد ملكت دمشق.
فقال خالد لروماس: قل له إنا لا نبقي عليك ولا عليه ولا على من أشرك بالله تعالى.
ثم إنه بعد ذلك الكلام حمل وهو ينشد ويقول: لك الحمد مولانا على كل نعمة وشكرًا لما أوليت من سابغ النعم مننت علينا بعد كفر وظلمة وأنقذتنا من حندس الظلم والظلم وأكرمتنا بالهاشمي محمد وكشفت عنا ما نلاقي من الغمم فتمم إله العرش ما قد ترومه وعجل لأهل الشرك بالبؤس والنقم وألقهم ربي سريعًا ببغيهم بحق نبي سيد العرب والعجم قال الواقدي: نقد بلغني ممن أثق به أنه لما ولى جرجيس هاربًا من بين يدي خالد إلى أصحابه رأوه يرتعد من الفزع.
فقالوا له: ما وراءك.
فقال: يا قوم ورائي الموت الذي لا يقاتل والليث الذي لا ينازل وهو أمير القوم وقد آلى على نفسه أن يطلبنا أينما كنا وما خلصت روحي إلا بالجهد فصالحوا الرجل قبل أن يحمل عليكم بأصحابه فلا يبقي منكم أحدًا فقالوا له: ما يكفيك أنك انهزمت وقد هموا بقتله فبينما هم كذلك إذ أقبل أصحاب كلوس على عزازير وهم خمسة آلاف وصاحوا به وقالوا له: ما أنت عند الملك أعز من صاحبنا وقد كان بيننا وبينك شرك فاخرج أنت إلى خالد واقتله أو أسره وخلص لنا صاحبنا وإلا وحق المسيح والمذبح والذبيح شننا عليك الحرب فقال عزازير وقد رجع به مكره ودهاؤه: يا ويلكم أتظنون أني جزعت من الخروج إلى هذا البدوي من أول مرة ولكني ما تأخرت عن الخروج إليه وتقاعدت عن قتاله حتى يتبين عجز صاحبكم وسوف ينظر الفريقان أينا أفرس وأشجع وأثبت في مقام القتال إذا نحن تشابكنا بالنصال.
ثم إنه في الحال ترجل عن جواده ولبس لامته وركب جوادًا يصلح للجولان وخرج إلى قتال سيدنا خالد بن الوليد الفارس الصنديد رضي الله عنه فلما قرب منه قال: يا أخا العرب ادن مني حتى أسألك وكان الملعون يعرف العربية فلما سمع خالد ذلك قال: يا عدو الله ادن أنت على أم رأسك ثم هم أن يحمل عليه.
فقال: على رسلك يا أخا العرب أنا أدنو منك فعلم خالد أن الخوف داخله فأمسك عنه حتى قرب منه.
فقال: يا أخا العرب ما حملك أن تحمل أنت بنفسك.
.
أما تخشى الهلاك فلو قتلت بقيت أصحابك بلا مقدم.
فقال خالد: يا عدو الله قد رأيت ما فعل الرجلان من أصحابي لو تركتهم لهزموا أصحابك بعون الله تعالى وإنما معي رجال وأي رجال يرون الموت مغنمًا والحياة مغرمًا ثم قال له خالد: من أنت.
فقال: أو ما سمعت باسمي أنا فارس الشام أنا قاتل الروم والفرس أنا كاسر عساكر الترك.
فقال خالد: ما اسمك فقال: أنا الذي تسميت باسم ملك الموت اسمي عزرائيل.
قال الواقدي: فضحك خالد من كلامه وقال: يا عدو الله تخوفني أن الذي تسميت باسمه هو طالبك ومشتاق إليك ليرديك إلى الهاوية.
فقال له البطريق: ما فعلت بأسيرك كلوس.
فقال: هو موثق بالقيود والأغلال.
فقال له عزازير: وما منعك من قتله وهو داهية من دواهي الروم.
فقال خالد: منعني من ذلك أني أريد قتلكم جميعًا فقال عزازير: هل لك أن تأخذ ألف مثقال من الذهب وعشرة أثواب من الديباج وخمسة رؤوس من الخيل وتقتله وتأتيني برأسه.
فقال له خالد: هذه ديته فما الذي تعطيني أنت عن نفسك.
قال: فغضب عدو الله من ذلك وقال: ما الذي تأخذ مني.
قال: الجزية وأنت صاغر ذليل.
فقال عزازير: كلما زدنا في كرامتكم زدتم في إهانتنا فخذ الآن لنفسك الحذر فإني قاتلك ولا أبالي فلما سمع خالد كلام عزرائيل حمل عليه حملة عظيمة كأنه شعلة نار فاستقبله البطريق وقد أخذ حذره وكان عزازير ممن يعرف بالشجاعة في بلاد الشام فلما نظر خالد إلى عدو الله أظهر شجاعته وبراعته تبسم.
فقال عزازير: وحق المسيح لو أردت الوصول إليك لقدرت على ذلك ولكنني أبقيت عليك لأني أريد أن أستأسرك ليعلم الناس أنك أسيري وبعد ذلك أطلق سبيلك على شرط أنك ترحل من بلادنا وتسلم لنا ما أخذت من بلاد الشام فلما سمع خالد كلام عزازير قال له: يا عدو الله قد داخلك الطمع فينا وهذه العصابة قد ملكوا تدمر وحوران وبصرى وهم ممن باعوا أنفسهم بالجنة واختاروا دار البقاء على دار الفناء وستعلم أينا من يملك صاحبه ويذل جانبه ثم إن خالدًا أرى البطريق أبواب الحرب.
قال: فندم عزازير على ما كان منه من الكلام وقال: يا أخا العرب أما تعرف الملاعبة.
فقال خالد: ملاعبتي الضرب في طاعة الرب ثم إن الملعون هاجم خالدًا ولوح إليه بسيفه وضربه به فلم يقطع شيئًا فذهل عدو الله من جولان خالد وثباته وعلم أنه لا يقدر عليه ولا على ملاقاته فولى هاربًا وكان جواده أسبق من جواد خالد.
قال عامر بن الطفيل رضي الله عنه: وكنت يوم حرب دمشق في القلب وشاهدنا ما جرى بين خالد وعزازير لما ولى هاربًا وقصر جواد خالد عن طلبه فوقع في قلبي الطع وقال: كأن البدوي خاف مني وما لي إلا أن أقف حتى يمحقني وآخذه أسيرًا ولعل المسيح ينصرني عليه فلما وقع ذلك في نفسه وقف حتى لحق به خالد وقد جلل فرسه العرق فلما قرب منه صاح عزازير وقال: يا عربي لا تظن أني هارب خوفًا منك وإنما أبقيت عليك خوفًا على شبابك فارحم نفسك وإن أردت الموت أسوقه إليك أنا قابض الأرواح أنا ملك الموت فعدما ذلك ترتجل عن جواده وسحب السيف وسار إليه كأنه الأسد الضاري.
فلما نظر عزازير إلى ذلك وإلى ترجل خالد زاد طمعه فيه وحام حوله وهم إليه يريد أن يعلو رأسه بالسيف فزاغ خالد عنها وصاح فيه وضرب قوائم فرسه بضربة عظيمة فقطعها فسقط عدو الله على الأرض ثم ولى هاربًا يريد أصحابه فسبقه خالد.
وقال: يا عدو الله إن الذي تسميت باسمه قد غضب عليك واشتاق إليك وها هو قد أقبل عليك يقبض روحك ليؤديك إلى جهنم ثم هجم عليه وهم أن يجلد به الأرض ونظرت الروم إلى صاحبها وهو في يد خالد فهموا أن يحملوا على خالد ويخلصوه من يده إذ قد أقبلت جيوش المسلمين وأبطال الموحدين مع الأمير أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه كان قد سار من بصرى فوجده وقد أخذ عزازير في تلك الساعة فلما نظرت عساكر دمشق إلى جيوش المسلمين قد أقبلت داخلهم الجزع والفزع فوقفوا عن الحملة.
قال: حدثني عمر بن قيس عن شعيب عن عبد الله عن هلال القشعمي قال: لما قدم الأمير أبو عبيدة سأل عن خالد فقالوا: إنه في ميدان الحرب وقد أسر بطريق الروم فدنا أبو عبيدة إليه وهم أن يترجل فأقسم عليه خالد أن لا يفعل وأقبل عليه وصافحه وكان أبو عبيدة يحب خالدًا لمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال أبو عبيدة لخالد: يا أبا سليمان لقد شرحت بكتاب أبي بكر الصديق حين قدمك علي وأمرك علي وما حقدت في قلبي عليك لأني أعلم مواقفك في الحرب.
فقال خالد: والله لا فعلت أمرًا إلا بمشورتك ووالله لولأ أمر الإمام طاعة ما فعلت ذلك أبدًا لأنك أقدم مني في دين الإسلام وأنا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت قال فيك: أبو عبيدة أمين هذه الأمة فشكره أبو عبيدة وقدم لخالد جواده فركبه وقال خالد لأبي عبيدة: اعلم أيها الأمير أن القوم قد خذلوا ووقع الرعب في قلوبهم وأهينوا بأخذ كلوس وعزازير قال: وسار مع أبي عبيدة يحدثه بما صار من البطريقين وكيف نصره الله عليهما إلى أن أتيا الدير فنزلا هناك وأقبل المسلمون يسلم بعضهم على بعض.
فلما كان الغد ركب الناس وتزينت المواكب وزحف أهل دمشق للقتال وقد أمروا عليهم صهر الملك هرقل ولما أقبلوا قال خالد لأبي عبيدة: إن القوم قد انخذلوا ووقع الرعب في قلوبهم فاحمل بنا على القوم.
قال أبو عبيدة: افعل قال: فحمل خالد وحمل أبو عبيدة وحمل المسلمون على عساكر الروم حملة عظيمة وكبروا بأجمعهم فارتجت الأرض من تكبيرهم ووقع القتل في الروم وجاهد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جهادًا عظيمًا وذهلت منهم الكفار.
قال عامر بن الطفيل: لقد كان الواحد منا يهزم من الروم العشرة والمائة.
قال: فما لبثوا معنا ساعة واحدة حتى ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وأقبلنا نقتل فيهم من الدير إلى الباب الشرقي.
فلما نظر أهل دمشق إلى انهزام جيشهم أغلقوا الأبواب في وجه من بقي منهم.
قال قيس بن هبيرة رضي الله عنه: فمنهم من قتلناه ومنهم من أسرناه فلما رجع خالد عنهم قال لأبي عبيدة: إن من الرأي أن أنزل أنا على الباب الشرقي وتنزل أنت على باب الجابية.
فقال أبو عبيدة: هنا هو الرأي السديد.
قال: حدثنا سهل بن عبد الله عن أويس بن الخطاب أن الذي قدم مع الأمير أبي عبيدة من المسلمين من أهل الحجاز واليمن وحضرموت وساحل عمان والطائف وما حول مكة كان سبعة وثلاثين ألف فارس من الشجعان وكان مع عمرو بن العاص تسعة آلاف فارس والذين قدم بهم خالد بن الوليد رضي الله عنه من العراق ألف فارس وخمسمائة فارس فكان جملة ذلك سبعة وأربعين ألفًا وخمسمائة غير ما جهز عمر بن الخطاب في خلافته وسنذكر ذلك إذا وصلنا إليه إن شاء الله تعالى هذا وإن خالدًا نزل بنصف المسلمين على الباب الشرقي ونزل أبو عبيدة بالنصف الثاني على باب الجابية.
فلما نظر أهل دمشق إلى ذلك نزل الرعب في قلوبهم ثم إن خالدًا أحضر البطريقين بين يديه وهما كلوس وعزازير فعرض عليهما الإسلام فأبيا فأمر ضرار بن الأزور أن يضرب عنقيهما ففعل.
قال: فلما نظر أهل دمشق ما فعلوا بالبطريقين كتبوا إلى الملك كتابًا يخبرونه بما جرى على كلوس وعزازير وقد نزلت العرب على الباب الشرقي وباب الجابية وقد نزلوا بشبانهم وأولادهم وقد قطعوا أرض البلقاء وأرض السواد ووصفوا له ما ملك العرب من البلاد فأدركنا وإلا سلمنا إليهم البلد ثم سلموا الكتاب إلى رجل منهم وأعطوه أوفى أجرة وأدلوه بالحبل من أعلى الأسوار في ظلمة الاعتكار.
قال الواقدي: وإن الرجل وصل إلى الملك هرقل وهو بأرض أنطاكية فاستأذن عليه فأمر له بالدخول فلما دخل سلم الكتاب إليه.
فلما قرأه الملك رماه من يده وبكى ثم إنه جمع البطارقة.
وقال لهم: يا بني الأصفر لقد حذرتكم من هؤلاء العرب وأخبرتكم أنهم سوف يملكون ما تحت سريري هذا فاتخذتم كلامي هزوا وأردتم قتلي وهؤلاء العرب خرجوا من بلاد الجدب والقحط وأكل الذرة والشعير إلى بلاد خصبة كثيرة الأشجار والثمار والفواكه فاستحسنوا ما نظروه من بلادنا وخصبنا وليس يزجرهم شيء لما هم فيه من العزم والقوة وشدة الحرب ولولا أنه عار علي لتركت الشام ورحلت إلى القسطنطينية العظمى ولكن ها أنا أخرج إليهم وأقاتلهم عن أهلي وديني.
فقالوا: أيها الملك ما بلغ من شأن العرب أن تخرج إليهم بنفسك وقعودك أهيب قال الملك هرقل: نبعث إليهم قالوا: عليك أيها الملك بوردان صاحب حمص لأنه ليس فينا مثله في القوة وملاقاة الرجال ولقد بين لنا شجاعته في عساكر الفرس لما قصدونا.
قال: فأمر الملك بإحضماره فلما حضر وردان قال له الملك: إنما قدمتك لأنك سيفي القاطع وسندي المانع فاخرج من وقتك وساعتك ولا تتأخر فقد قدمتك على اثني عشر ألفًا فإذا وصلت إلى بعلبك فانفذ إلى من بأجنادين بأن يتفرقوا في أرض البلقاء وجبال السواد فيكونوا هناك ولا تتركوا أحدا من العرب يلحق بأصحابه يعني عمرو بن العاص رضي الله عنه فقال وردان: السمع والطاعة لك أيها الملك وسوف يبلغك الخبر أني لا أعود إلا برأس خالد بن الوليد ومن معه اهزمهم جميعًا وبعد ذلك أدخل الحجاز ولا أخرج حتى أهدم الكعبة ومكة والمدينة.
قال: فلما سمع الملك هرقل قوله قال: وحق الإنجيل لن فعلت ذلك ووفيت بقولك لأعطينك ما فتحوه حرثًا وخراجًا وكتبت كتاب العهد أنك الملك من بعدي ثم سوره وتوجه وأعطاه صليبًا من الذهب وفي جوانبه أربع يواقيت لا قيمة لها وقال: إذا لاقيت العرب فقدمه أمامك فهو ينصرك قال: فلما تسلم وردان الصليب من وقته دخل الكنيسة وانغمر في ماء المعمودية وبخروه ببخور الكنائس وصلى عليه الرهبان وخرج من وقته فضرب خيامه خارج المدينة.
قال: وأخذت الروم على أنفسهم بالرحيل فلما تكاملوا ركب الملك هرقل وسار لوداعهم وصحبته أرباب دولته فوصل معهم إلى جسر الحديد بها فودعه الملك وسار إلى أن وصل إلى حماة فنزل بها وأنفذ من وقته كتابًا إلى من بأجنادين من جيوش الروم يأمرهم ليتفرقوا في سائر الطرقات ليمنحوا عمرو بن العاص ومن معه أن يصلوا إلى خالد فلما سار الرسول بالكتاب جمع وردان إليه البطارقة وقال لهم: إني أريد أن أسير على حين غفلة على طريق مارس حتى أكبس على القوم ولا ينجو منهم أحد فلما كان الليل رحل على طريق وادي الحياة.
قال: حدثني شداد بن أوس قال: لما دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد قتل البطريقين أمر المسلمين أن يزحفوا إلى دمشق.
قال: فزحف منا الرجال من العرب وبأيديهم الحجف يتلقون بها الحجارة والسهام فلما نظر أهل دمشق إلينا ونحن قد زحفنا إليهم رمونا بالسهام والحجارة من أعلى الأسوار وضيقنا عليهم في الحصار وأيقن القوم بالدمار.
قال شداد بن أوس: فأقمنا على حصارهم عشرين يومًا فلما كان بعد ذلك جاءنا ناوي بن مرة وأخبرنا عن جموع الروم بأجنادين وكثرة عددهم فركب خالد نحو باب المدينة الجابية إلى أبي عبيدة يخبره بذلك ويستشيره وقال: يا أمين الأمة إني رأيت أن ترحل من دمشق إلى أجنادين ونلقى من هناك من الروم فإذا نصرنا الله عليهم عدنا إلى قتال هؤلاء القوم.
قال أبو عبيدة: ليس هذا برأي قال خالد: ولم ذلك قال أبو عبيدة: إذا رحلنا يخرج أهل المدينة فيملكون مواضعنا فلما سمع خالد ذلك من أبي عبيدة.
قال: يا أمين الأمة إني أعرف رجلًا لا يخاف الموت خبيرًا بلقاء الرجال قد مات أبوه وجده في القتال.
قال: ومن هنا الرجل يا أبا سليمان.
قال: هو ضرار بن الأزور بن طارق.
قال أبو عبيدة: والله لقد صدقت ووصفت رجلًا باذلًا معروفًا فافعل.