{خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ(10)هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ(11)}.
ثم نبّه تعالى إِلى دلائل قدرته، وآثار عظمته وجلاله لإِقامة البراهين على وحدانيته فقال {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} أي خلق السماوات في سعتها وعظمتها وإِحكامها بدون دعائم ترتكز عليها، حال كونكم تشاهدونها كذلك واقفة من غير أن تستند على شيء، ولا تمسكها إِلا قدرة الله العليّ الكبير {وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي جعل فيها جبالاً ثوابت لئلا تتحرك وتضطرب بكم فتهلككم بأن تقلبكم عن ظهرها، أو تهدم بيوتكم بتزلزلها، قال الإِمام الفخر الرازي: واعلم أن الأرض ثباتُها بسبب ثقلها، وإِلا كانت تزول عن موضعها بسبب المياه والرياح، ولو خلقها تعالى مثل الرمل لما كانت تثبتُ للزراعة، كما نرى الأراضي الرملية ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع، فهذه هي حكمة إِرسائها بالجبال، فسبحان الكبير المتعال {وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} أي ونشر وفرَّق في أرجاء الأرض من كل أنواع الحيوانات والدواب من مأكول ومركوب، مما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إِلا الذي خلقها {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أي وأنزلنا لحفظكم وحفظ دوابكم المطر من السحاب {فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ} أي فأنبتنا في الأرض من كل نوعٍ من النبات، ومن كل صنفٍ من الأغذية والأدوية {كَرِيمٍ} أي كثير المنافع، بديع الخلق والتكوين {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ} أي هذا الذي تشاهدونه وتعاينونه أيها المشركون هو من مخلوقات الله، فانظروا في السماوات والأرض، والإِنسان، والنبات، والحيوان، وسائر ما خلق الله ثم تفكروا في آثار قدرته، وبديع صنعته، ثم أخبروني {فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}؟ أي أيَّ شيءٍ خلقته آلهتكم التي عبدتموها من دون الله من الأوثان والأصنام؟ وهو سؤال على جهة التهكم والسخرية بهم وبآلهتهم المزعومة، ثم أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الواضح فقال {بَلْ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} أي بل المشركون في خسران ظاهر، وضلالٍ واضح ما بعده ضلال، لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وعبدوا ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فهم أضل من الحيوان الأعجم، لأن من عبد صنماً جامداً، وترك خالقاً عظيماً مدبراً، يكون أحطَّ شأناً من الحيوان.