{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا(1)فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا(2)فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا(3)إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ(4)رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ(5)}
{وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} افتتح تعالى هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته، إظهاراً لعظم شأنها، وكبر فوائدها، وتنبيهاً للعباد على جلالة قدرها، والمعنى: أقسم بهذه الطوائف من الملائكة، الصافات قوائمها في الصلاة، أو أجنحتها في ارتقاب أمر الله، قال ابن مسعود: هم الملائكة تصف في السماء في العبادة والذكر صفوفاً، وفي الحديث (ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربهم؟ قلنا: وكيف يا رسول الله؟ قال: يُتمون الصفوف المتقدمة، ويتراصون في الصَف) أقسم تعالى بالملائكة تنبيهاً على جلالة قدرهم، وكثرة عبادتهم، فهم مع عظيم خلقهم ورفعة شأنهم لا ينفكون عن عبادة الله، يصطفون للعبادة كاصطفاف المؤمنين في الصلاة، مع الخشوع والخضوع للعزيز الجبار، الذي دانت له الخلائق، وخضعت لجلال هيبته الرقاب، بما فيهم حملةُ العرش والملائكة الأطهار {فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا} أي الملائكة التي تزجر السحاب، يسوقونه إلى حيث شاء الله، من الزجر بمعنى السوق والحث {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} وصفٌ ثالثٌ للملائكة الأبرار، إشادةً بذكر محاسنهم ومناقبهم العلوية أي وأقسمُ بالملائكة التالين لآيات الله على أنبيائه وأوليائه، مع التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد {إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ} هذا هو المقسم عليه أي إِن إِلهكم الذي تعبدونه -أيها الناس- إله واحدٌ لا شريك له، قال مقاتل: إِن الكفار بمكة قالوا: أجعل الآلهة إلهاً واحداً؟ وكيف يسع هذا الخلق إله فرد؟ فأقسم الله بهؤلاء تشريفاً، ثم بيَّن تعالى معنى وحدانيته وألوهيته فقال {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} أي هو تعالى خالق السماوات والأرض ومالكهما وما بينهما من المخلوقات والموجودات، فإِن وجودهما وانتظامهما على هذا النمط البديع، من أوضح الدلائل على وجود الله ووحدانيته {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} أي وهو رب مشارق الشمس ومقاربها في الشتاء والصيف، قال الطبري: واكتفى بذكر المشارق عن المغارب لدلالة الكلام عليه.