{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ(22)مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ(23)وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ(24)مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ(25)بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ(26)وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ(27)قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ(2)قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ(29)وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ(30)فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ(31)فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ(32)فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ(33)إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ(34)إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ(35)وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ(36)بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ(37)}
{احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} أي اجمعوا الظالمين واشباههم من العصاة والمجرمين، كل إنسان مع نظرائه، قال القرطبي: الزاني مع الزاني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، والسارق مع السارق، وقال ابن عباس: اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات، وعنه: المراد به أشباههم من العصاة {وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي وما كانوا يعبدون من الأوثان والأصنام، وذلك زيادةً في تحسيرهم وتخجيلهم {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} أي فعرفوهم طريق الجحيم ووجهوهم إليها، وفي لفظ {اهْدُوهُمْ} تهكم وسخرية، فإِذا لم يهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم، فليهتدوا اليوم إلى صراط الجحيم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} أي احبسوهم عند الصراط لأنهم سيسألون عن جميع أقوالهم وأفعالهم، ثم يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ {مَا لَكُمْ لا َتَنَاصَرُونَ} أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً وأنتم هنا جميعاً؟ وكلكم في حاجة إلى الناصر والمعين؟ قال المفسرون: هذا إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر "نحن جميعٌ منتصر" وأصل {تَنَاصَرُونَ} تتناصرون حذفت إحدى التاءين تخفيفاً، قال تعالى {بَلْ هُمْ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ} أي بل هم اليوم أذلاء منقادون، عاجزون عن الانتصار، سواء منهم العابدون والمعبودون {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} أي أقبل الرؤساء والأتباع يتلاومون ويتخاصمون، قال أبو السعود: وسؤالهم إنما هو سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال {قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ} أي قال الأتباع منهم للمتبوعين: إِنكم كنتم تأتوننا من قبل الحقِّ، وتزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن اتباع طريق الهدى، قال الطبري: أي كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق، فتخدعوننا بأقوى الوجوه، قال: واليمين في كلام العرب: القوة والقدرة كقول الشاعر:
إِذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ تلقَّاها عرابةُ باليمين
وقيل: المراد تأتوننا بطريق الوسوسة عن يميننا كما هو المعتاد في حالة الوسوسة بالأسرار غالباً {قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} أي يقول لهم الرؤساء: لم نحملكم نحن على الضلال ولم نمنعكم من الإِيمان، بل كفرتم ولم تؤمنوا باختياركم، قال ابن كثير: أي ليس الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرةً للإِيمان، قابلةً للكفر والعصيان {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ} أي ما كان لنا عليكم من قوة وقدرة نقهركم بها على متابعتنا {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ} أي بل كان فيكم فجور وطغيان واستعداد للعصيان، فلذلك استجبتم لنا واتبعتمونا {فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا} أي فوجب علينا جميعاً وعيد الله لنا بالعذاب {إِنَّا لَذَائِقُونَ} أي فإِنا لذائقو هذا العذاب لا محالة {فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ} أي فزينا لكم الباطل، ودعوناكم إلى الغيّ لأننا كنا على غيٍّ وضلال، قال تعالى مخبراً عن حالهم {فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} أي فإِنهم يوم القيامة مشتركون في العذاب، كما كانوا مشتركين في الغواية، ولكنْ كما قال تعالى {ولن ينفعكم اليوم إِذْ ظلمتُم أنكم في العذاب مشتركون} {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ} أي مثل هذا الفعل بهؤلاء نفعل بالأشقياء المجرمين، ثم بيَّن تعالى السبب فقال {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} أي إِذا قيل لهم قولوا {لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} يتكبَّرون ويتعظَّمون {وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} أي ويقولون عندما يُدعون إلى التوحيد: أنترك عبادة الأوثان لقول شاعرٍ مجنون؟ يعنون بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى رداً عليهم {بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ} أي ليس الأمرَ كما يفترون بل جاءهم محمد بالتوحيد والإِسلام الذي هو الحقُّ الأبلج، وجاء بمثل ما جاء به الرسل قبله، قال أبو حيان: جمع المشركون بين إِنكار الوحدانية، وإِنكار الرسالة، ثم خلطوا في كلامهم بقولهم "شاعر مجنون" فإِن الشاعر عنده من الفهم والحذق ما ينظم به المعاني الغريبة، ويصوغها في قالب الألفاظ البديعة، ومن كان مجنوناً لا يصل إلى شيء من ذلك، فكلامهم تخليط وهذيان.