{إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءاياتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءامنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(40)إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ(41)لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ(42)مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ(43)}.
ثم توعَّد تعالى من يلحد في ءاياته بعد ظهور الأدلة والبراهين على وجوده فقال {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي ءاياتِنَا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا} أي إن الذين يطعنون في ءاياتنا، بالتحريف والتكذيب والإِنكار لها لا يغيب أمرهم عنا فنحن لهم بالمرصاد، وفيه وعيد وتهديد، قال قتادة: الإِلحادُ الكفر والعناد، وقال ابن عباس: هو تبديلُ الكلام ووضعه في غير موضعه {أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي ءامنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي أفمن يُطرح في جهنم مع الخوف والفزع أفضل أمَّنْ يكون في الجنة ءامناً من عذاب الله يوم القيامة؟ قال الرازي: والغرضُ التنبيهُ على أن الملحدين في ءايات الله يُلقون في النار، وأن المؤمنين بآيات الله يكونون ءامنين يوم القيامة، وشتَّان ما بينهما {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} أي افعلوا ما تشاءون في هذه الحياة، وهو تهديدٌ لا إباحة ملفوف بظل الوعيد، بدليل قوله تعالى {إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي هو تعالى مطّلع على أعمالكم، لا تخفى عليه خافية من أحوالكم، وسيجازيكم عليها {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ} أي إن الذين كذبوا بالقرآن حين جاءهم من عند الله، وخبر "إنَّ" محذوفٌ لتهويل الأمر كأنه قيل: سيجازون بكفرهم جزاءً لا يكاد يوصف لشدة بشاعته وفظاعته {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ} أي وإِنه لكتاب غالب بقوة الحجة، لا نظير له لما احتوى عليه من الإِعجاز، يدفع كل جاحد، ويقمع كلَّ معاند {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يتطرق إليه الباطل من جهةٍ من الجهات، ولا مجال للطعن فيه، قال ابن كثير: أي ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزَّل من رب العالمين {تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} أي هو تنزيلٌ من إله حكيم في تشريعه وأحواله وأفعاله، محمود من خلقه بسبب كثرة نعمه .. ثم سلَّى تعالى نبيَّه على ما يصيبه من أذى الكفار فقال {مَا يُقَالُ لَكَ إِلا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ} أي ما يقول لك كفار قومك، إلاّ ما قد قال الكفار للرسل قبلهم من الكلام المؤذي، والطعن فيما أنزل الله، قال القرطبي: يُعزي نبيه ويُسلّيه من أذى وتكذيب قومه {إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ} أي إن ربك يا محمد لهو الغفور لذنوب المؤمنين، ذو العقاب الشديد للكافرين، ففوِّضْ أمرك إليه فإِنه ينتقم لك من أعدائك.