لكل إنسان منا عاطفة مغروسة تدفعه إلى حب شيء ما في الحياة.. وكل إنسان يوزن بما ينعطف عليه قلبه من محبوبات، وبما ينطوي عنه قلبه من مكروهات.. ولقد أحب الله تعالى من خلقه أشياء وكرمها وشرفها، وأمرنا بتقديسها وتشريفها فقد أحب الله عباداً من خلقه وأمرنا بحبهم، فأحبّ الملائكة وأحب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.. وأحبّ الله أزمانا وفضلها وأمرنا بحبها وتكريمها وتفضيلها.. فأحبّ رمضان وليلة القدر ويوم الجمعة.. وأحبّ الله تعالى أماكن دون غيرها وقدسها وأمرنا بتقديسها، فأحب مكة المكرمة وكعبتها الشريفة وأحب المدينة المنورة ومسجدها الشريف وقدسها، وأحب بيت المقدس ومسجده الأقصى وقدسهما.. ونحن نحب ونقدس ما أحبه الله وقدسه.. فهذه حكاية مكان مبارك أحبه الله تعالى وقدسه، وأحبه الأنبياء وقدسوه. ذلكم المكان المطهر هو المسجد الأقصى.. الذي بارك الله حوله،وجعل أرضه مهبط الرسالات ومهجر الرسل والأنبياء، ومهوى أفئدة وقلوب الأولياء الصالحين. فجعل الله بيت المقدس والمسجد الأقصى محور تقديس الأنبياء والأولياء في الماضي..
ومحور أحداث الدنيا في الحاضر.. ومحشر جميع مخلوقات الله يوم المحشر.. وإليه تشد الرحال لزيارته تبركا.. احتل بيت المقدس والمسجد الأقصى الشريف منزلة رفيعة في الإسلام بعد أن تحول إلى إرث الأمة الخاتمة.. فالقدس والمسجد الأقصى يسكنان قلب كل من له قلب من المسلمين. إن مكة والكعبة المشرفة كانتا مقدستين في ملة إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام)
فامتد تقديسهما وتكريمهما عند المسلمين..وبيت المقدس والمسجد الأقصى كانا مقدسين في ملة إبراهيم وإسحاق وامتد تقديسهما وتكريمهما إلى يوم القيامة وقد وصف القرآن الكريم أرض بيت المقدس بصفات البركة والطهر والقدسية في آيات متعددة منها قوله تعالى {.. يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم.. } وقوله {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} وقوله {ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين} وقوله {فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} وعن الإمام بن تيمية أن الخلق والأمر ابتدءا من مكة المكرمة أم القرى فهي أم الخلق، وفيها بدأت الرسالة المحمدية، وجعل الله بيت المقدس وما حوله محشر خلقه، فإلى بيت المقدس يعود جميع الخلق، وهناك يحشر الحلق..
وبيت المقدس منبت الأنبياء من إبراهيم الخليل عليه السلام، ولهذا اجتمعوا هناك لسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، فأمهم في المسجد الأقصى، فدل على أنه (صلى الله عليه وسلم) الإمام المعظم.. وكانت صلاته (صلى الله عليه وسلم) بالأنبياء ليلة الإسراء إقراراً بأن الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، أخذت تمامها على يد محمد عليه السلام.. وكانت الصلاة بالمسجد الأقصى دلالةً على أن آخر صبغة للمسجد الأقصى هي الصبغة الإسلامية فالتصق نسب المسجد الأقصى بالأمة الإسلامية التي أم رسولها الكريم سائر الأنبياء.. ولاشك أن في اقتران الإسراء بالنبي (صلى الله عليه وسلم) إلى السماوات العلى بالمسجد الأقصى دليلاً باهراً على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى ودليل على أن المسجد الأقصى فوق مركز الدنيا وأنه المصعد من الأرض إلى السماء...
- .. وقد ورد عن النبي (عليه الصلاة والسلام) العديد من الأحاديث الشريفة التي تبين لنا مدى ما لبيت المقدس والمسجد الأقصى من منزلة وفضل.. فقال (عليه الصلاة والسلام) "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا"وصلاة في المسجد الأقصى تعادل ثواب خمسمائة صلاة، وقال (عليه الصلاة والسلام) "لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أبواب دمشق وما حوله وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله، لا يغرهم من خذلهم، ظاهرين على الحق إلى أن تقوم الساعة"