الصبر-كما عرفه علماؤنا- حبس النفس على ما تكره.
وهذا تفسير حسن اذا عنينا به مواجهة الشدائد البغيضة بثبات لا نكوص معه, وعقل لا يفقد توازنه واعتداله. غير ان حبس النفس على ما نكره اذا عنينا به دوام الشعور بمرارة الواقع , وطول الاحساس بما فيه من سوء واذى قد ينتهي بالانسان الى حال منكرة من الكابة والتبلد. وربما انهزم الصبر امام المقارنات التي تعقدها النفس بين ما نابها وما كانت تحب وتشتهي، كما قال الشاعر :
أقول لنفسي في الخلاء ألومها لك الويل, ما هذا التجلد و الصبر؟
وهذه نهاية الاحساس المحض بالالم, والخبط في ظلماته دون التماس نور يهدي في دياجيه او عزاء ينقذ من ماسيه!!
والاسلام يعمل على تحويل الصبر الى رضا في المجال الذي يصح فيه هذا التحول, ولن يتم تذوق النفس لبرد الرضا بإصدار امر جاف, او فرض تكليف اجوف كلا, فالامر يحتاج الى تلطف مع النفس واستدراج لمشاعرها النافرة والا فلا قيمة لان تقول: انا راض, ونفسك طافحة بالضيق والتقزز!!
واول ما يطلبه الاسلام منك ان تتهم مشاعرك حيال ما ينزل بك . فمن يدري؟ رب ضارة نافعه وربما صحت الاجسام بالعلل ورب محنة في طيها منحه.
ان اكثرنا يتبرم بالظروف التي تحيط به وقد يضاعف ما فيها من نقص وحرمان ونكد .مع ان المتاعب والالام هي التربة التي تنبت فيها بذور الرجولة .
وما تفتقت مواهب العظماء الا وسط ركام من المشقات والجهود.
يقول (ديل كارنيجي) : كلما ازددت ايغالا في دراسة الاعمال العظيمة التي انجزها بعض النوابغ ازددت ايمانا بان هذه الاعمال كلها ما تمت الا بدوافع من الشعور بالنقص, هذا الشعور الذي حفزهم الى القيام بها واجتناء ثمراتها. نعم, فمن المحتمل ان الشاعر (ملتون) لم يكن يقرض شعره الرائع لو لم يكن اعمى. وان (بيتهوفن) لم يكن ليؤلف موسيقاه الرفيعه لو لم يكن اصم .
ان هؤلاء المصابين لم يجسموا مصائبهم ثم يطوفوا حولها معولين منتحبين ولم يدعوا السنتهم تلعق مافي واقعهم المر من غضاضه. كلا لقد قبلوا الواقع المفروض ثم تركوا العنان لمواهبهم تحول محنتهم الى منحه.
وتلك هي دعائم العظمة او هذا هو تحويل الليمونه الحامضة الى شراب سائغ كما يقول كارنيجي.
وليس كل امرئ يؤتى القدرة على تحويل قسمته المكروهه الى حظ مستحب ذي جدوى فإن عشاق السخط ومدمني الشكوى أفشل الناس في اشراب حياتهم معنى السعادة اذا جفت منها او بمعنى اصح اذا لم تجئ وفق ما يشتهون.
تحياتي