لم تفاجأ أنقرة بانفجار أزمة القوقاز، فالمسؤولون الأتراك كانوا يتوقعون أزمة ما بين جورجيا وروسيا منذ فترة. وعلى العكس مما روج إليه البعض فإن استقلال إقليمي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية لم يشكل عاملا في صالح تركيا تعمل على استغلاله للمطالبة باعتراف دولي بجمهورية شمال قبرص التركية التي لا تعترف بها سوى أنقرة.
"
لا تريد أنقرة أن تدفع ثمن خلافات الآخرين وسوء تقديرهم السياسي أو خسارة أكبر شريك اقتصادي لها وهو روسيا التي من المتوقع أن يصل التبادل التجاري بينهما نهاية العام الحالي 36 مليار دولار
"
فالإستراتيجية التركية الحالية مبنية على ضرورة توحيد الجزيرة القبرصية، وما ورقة تقسيم الجزيرة إلا ورقة ضغط تكتيكية وليست هدفا نهائيا لأنقرة، بل على العكس فإن استقلال الإقليمين الجورجيين, استفز مخاوف أنقرة المزمنة تجاه مستقبل إقليم كردستان العراق الذي ترفض أنقرة أي مشروع لاستقلاله لما لذلك الاحتمال من آثار سلبية على القضية الكردية في تركيا.
التدويل مزعج
في المقابل فإن أنقرة تبدو منزعجة من سياسات الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي لتدويل القضية. فتركيا تدرك أن الغرب سيستمر في مساعيه لضم جورجيا إلى الناتو، وحينها ستكون تركيا هي المسؤولة عسكريا وأمنيا للدفاع عن جورجيا بعد انضمامها للحلف في حال تكرر مثل هذا الصراع مع روسيا.
ولا تريد أنقرة أن تدفع ثمن خلافات الآخرين وسوء تقديرهم السياسي أو خسارة أكبر شريك اقتصادي لها وهو روسيا التي من المتوقع أن يصل التبادل التجاري بينهما نهاية العام الحالي 36 مليار دولار، علما بأن تركيا أكدت أن سماحها بعبور سفن حربية غربية عبر مضائقها إلى البحر الأسود لا يهدف لاستعداء موسكو لأنه لن يكون إلا في إطار اتفاقية مونترو الدولية.
إن التوتر في القوقاز يهدد بحرمان تركيا من عدد من مشاريع خطوط البترول والغاز القادمة من وسط آسيا عبر أذربيجان وجورجيا، واستمرار التوتر قد يدفع شركات الطاقة العالمية لتغيير خريطة تلك الأنابيب خارج المسار التركي.
"
تصريحات رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الأسبوع الماضي بأن على أوروبا أن تدعم مشاريع إمدادات الغاز التي تمر عبر تركيا كبديل عن الاحتكار الروسي لطرق إمدادات الغاز إلى أوروبا، شجعت تركيا أكثر للعب دور يحاول إعادة الاستقرار إلى القوقاز
"
منتدى القوقاز
لكن في المقابل فإن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون الأسبوع الماضي بأن على أوروبا أن تدعم مشاريع إمدادات الغاز التي تمر عبر تركيا كبديل عن الاحتكار الروسي لطرق إمدادات الغاز إلى أوروبا، شجعت تركيا أكثر للعب دور يحاول إعادة الاستقرار إلى القوقاز من خلال إعادة طرح الفكرة التركية بإنشاء منتدى الأمن والتعاون في القوقاز تحت مظلة منظمة الأمن والتعاون الأوروبية والذي يفترض أن يضم تركيا وروسيا وأذربيجان وأرمينيا وجورجيا.
وهومشروع طموح يلبي لدول القوقاز الكثير مما يسعون إليه، ولكنه يتطلب منهم جميعا تضحيات كبيرة وفي مقدمتهم تركيا التي حاولت القول إنها مستعدة لتقديم تلك التضحيات وإلقاء الخطوة الأولى في مشروع المصالحة هذا من خلال زيارة الرئيس عبد الله غل إلى أرمينيا.
فهذا المشروع سيخرج أرمينيا من عزلتها الاقتصادية، وسيؤمن لروسيا أرضية سياسية إقليمية تخلو من التدخل الأميركي المباشر، وسيساعد على حل أزمة إقليم قره باغ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وتأمين طرق إمدادات الطاقة من آسيا الوسطى وقزوين إلى الغرب.
لكن تبقى جورجيا الأبعد حتى الآن عن قبول هذه الفكرة التي وإن أمنت لها منتدى إقليميا سياسيا يحكم بينها وبين روسيا فإنها تدرك أن روسيا تبقى أقوى دول هذا المنتدى الإقليمي الذي يبدو الحديث عنه الأمر الإيجابي الوحيد بين جميع التطورات الإقليمية التي تبعت انفجار أزمة القوقاز.