{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الْفَاسِقُونَ(99)أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ(100)وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ(101)}
المناسبة:
بعد أن ذكر الله تعالى ما جبل عليه اليهود من خبث النفس ونقض العهد، وتكذيب رسل الله، ومعاداة جبريل أمين الوحي عليه السلام، أعقب ذلك أن من عادة اليهود التكذيب بآيات الله، وعدم الوفاء بالعهود، وتكذيب الرسل، والإعراض عن القرآن. وفي ذلك تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث عارضوا دعوته، وأعرضوا عن القرآن الكريم.
{وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} أي والله لقد أنزلنا يا محمد آيات واضحات دالاّت على نبوتك {وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلا الفَاسِقُونَ} أي وما يجحد بهذه الآيات ويكذب بها إلا الخارجون عن الطاعة الماردون على الكفر {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} أي أيكفرون بالآيات وهي في غاية الوضوح وكلّما أعطوا عهداً نقضه جماعة منهم؟ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي بل أكثر اليهود لا يؤمن بالتوراة الإِيمان الصدق لذلك ينقضون العهود والمواثيق.
{وَلَمَّا جَاءهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وهو محمد صلى الله عليه وسلم {مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} أي مصدقاً للتوراة وموافقاً لها في أصول الدين ومقرراً لنبوة موسى عليه السلام {نَبَذَ فَرِيقٌ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} أي طرح أحبارهم وعلماؤهم التوراة وأعرضوا عنها بالكليةلأنها تدل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فجحدوا وأصروا على إِنكار نبوته مما جعلهم يطرحون الكتاب وراء ظهورهم حتى نسوه تماماً ولا يلتفتوا إليه. بخلاف ما لو طرحوه أمامهم فإن رؤيته قد تذكرهم بالرجوع إليه.
{كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي كأنهم لا يعلمون من دلائل نبوته شيئاً.
أفاد قوله تعالى {نبذ فريق منهم} أن بعض اليهود تمسك بالكتاب واهتدى إلى الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم كابن سلام وكعب الأحبار وغيرها.
سبب نزول الآية (102):
قال محمد بن إسحاق: قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمد، يزعم أن سليمان كان نبياً؟ والله ما كان إلا ساحراً، فأنزل الله: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم زماناً عن أمور من التوراة، لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوه عنه، فيخصمهم، فلما رأوا ذلك، قالوا: هذا أعلم بما أنزل إلينا منا، وإنهم سألوه عن السحر وخاصموه به، فأنزل الله: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ}.