{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(188)}
{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أي لا يأكل بعضكم أموال بعض بالوجه الذي لم يبحه الله {وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} أي تدفعوها إِلى الحكام رشوة {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ} أي ليعينوكم على أخذ طائفة من أموال الناس بالباطل {وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أنكم مبطلون تأكلون الحرام.
سبب النزول:
قال ابن عباس: إن معاذ بن جبل وثعلبة بن غَنَم - وكانا من الأنصار - قالا: يا رسول الله، ما بال الهلال يبدو دقيقاً مثل الخيط، ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي ويعظم، ثم لا يزال ينقص ويدِقّ، حتى يعود كما كان، لا يكون على حالة واحدة كالشمس، فنزلت هذه الآية. ويروى أيضاً أن اليهود سألت عن الأهلة.
التوقيت بالشهر القمري وحقيقة البِرّ
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(189)}.
{يسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ} أي يسألونك يا محمد عن الهلال لم يبدو دقيقاً مثل الخيط ثم يعظم ويستدير ثم ينقص ويدق حتى يعود كما كان؟ {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} أي فقل لهم إِنها أوقات لعباداتكم ومعالم تعرفون بها مواعيد الصوم والحج والزكاة {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا} أي ليس البر بدخولكم المنازل من ظهورها كما كنتم تفعلون في الجاهلية {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} أي ولكنَّ العمل الصالح الذي يقرّبكم إلى الله تعالى هو اجتناب محارم الله {وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} ادخلوها كعادة الناس من الأبواب {وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} أي اتقوا الله لتسعدوا وتظفروا برضاه.
سبب النزول:
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} الآية. قال ابن عباس فيما أخرجه الواحدي: نزلت هذه الآيات في صلح الحُدَيْبِيَة، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صُدَّ عن البيت هو وأصحابه، نحر الهَدْي بالحُدَيْبِيَة، ثم صالحه المشركون على أن يرجع عامه، ثم يأتي القابل، على أن يُخْلُوا له مكة ثلاثة أيام، فيطوف بالبيت ويفعل ما شاء. وصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كان العام المقبل، تجهَّز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لعمرة القضاء، وخافوا أن لا تفي لهم قريش بذلك، وأن يصدّوهم عن المسجد الحرام ويقاتلوهم، وكره أصحابه قتالهم في الشهر الحرام في الحرم، فأنزل الله: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} يعني قريشاً.
وقوله: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} الآية، قال قتادة فيما أخرجه الطبري: أقبل نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذي القعدة، حتى إذا كانوا بالحديبية، صدَّهم المشركون، فلما كان العام المقبل دخلوا مكة، فاعتمروا في ذي القعدة، وأقاموا بها ثلاث ليال، وكان المشركون قد فَجَروا عليه حين ردّوه يوم الحديبية، فأقصّه الله تعالى منهم، فأنزل: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} الآية.
وقوله: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ..} الآية، قال الشعبي: نزلت في الأنصار، أمسكوا عن النفقة في سبيل الله تعالى، فنزلت هذه الآية، وأخرج الطبراني بسند صحيح عن أبي جبيرة بن الضحاك قال: كانت الأنصار يتصدقون ويطعمون ما شاء الله، فأصابتهم سَنَة (قحط)، فأمسكوا، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية.
وروى البخاري عن حذيفة قال: نزلت الآية في النفقة. وأخرج أبو داود والترمذي وصححه، وابن حبان والحاكم وغيرهم،عن أبي أيوب الأنصاري قال: نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار، لما أعزّ الله الإسلام، وكثر ناصروه، قال بعضنا لبعض سرّاً: إنّ أموالنا قد ضاعت، وإنّ الله قد أعزّ الإسلام، فلو أقمنا في أموالنا، فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله يردّ علينا ما قلنا: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}، فكانت التهلكة: الإقامة على أموالنا وإصلاحها وتركنا الغزو.