{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ(205)وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ(206)وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ(207)}
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ} أي ومن الناس فريق يروقك كلامه يا محمد ويثير إِعجابَك بخلابة لسانه وقوة بيانه، ولكنه منافق كذّاب {فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} أي في هذه الحياة فقط أما الآخرة فالحاكم فيها علاّم الغيوب الذي يطّلع على القلوب والسرائر {وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ} أي يظهر لك الإِيمان ويبارز الله بما في قلبه من الكفر والنفاق {وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} أي شديد الخصومة يجادل بالباطل ويتظاهر بالدين والصلاح بكلامه المعسول {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا} أي وإِذا انصرف عنك عاث في الأرض فساداً، وقد نزلت في الأخنس ولكنها عامة في كل منافق يقول بلسانه ما ليس في قلبه
"يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغُ الثعلب"
{وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ} أي يهلك الزرع وما تناسل من الإِنسان والحيوان ومعناه أن فساده عام يشمل الحاضر والباد، فالحرث محل نماء الزروع والثمار، والنسل هو نتاج الحيوانات التي لا قوام للناس إِلا بهما، فإِفسادهما تدمير للإِنسانية {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} أي يبغض الفساد ولا يحب المفسدين.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْه الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ} أي إِذا وُعظ هذا الفاجر وذكَّر وقيل له انزع عن قولك وفعلك القبيح، حملته الأنفة وحميَّةُ الجاهلية على الفعل بالإِثم والتكبر عن قبول الحق، فأغرق في الإِفساد وأمعن في العناد {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} أي يكفيه أن تكون له جهنم فراشاً ومهاداً، وبئس هذا الفراش والمهاد .
{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} هذا هو النوع الثاني وهم الأخيار الأبرار، فبعد أن ذكر تعالى صفات المنافقين الذميمة أتبعه بذكر صفات المؤمنين الحميدة والمعنى ومن الناس فريق من أهل الخير والصلاح باع نفسه لله، طلباً لمرضاته ورغبةً في ثوابه لا يتحرى بعمله إلا وجه الله {وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} أي عظيم الرحمة بالعباد يضاعف الحسنات ويعفو عن السيئات ولا يعجل العقوبة لمن عصاه.