شنت وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس هجوما شديد اللهجة على روسيا، وحذرت من أن سياساتها تقودها إلى العزلة والتهميش، ودعت الغرب إلى الوقوف في وجه ما سمته "عدوانية موسكو التي أصبحت أكثر استبدادية".
وقالت رايس -في خطاب ألقته في معهد الدراسات "جرمن مارشال فاند" في واشنطن- إن "روسيا اتخذت ما وصفته بمنعطف أسود جعل مكانتها الدولية أسوأ مما كانت عليه في أي وقت منذ تفكك الاتحاد السوفياتي عام 1991"، مضيفة أن عمليتها العسكرية في جورجيا كان جزءا من "نمط متدهور للسلوك" شمل استخدام النفط والغاز الطبيعي سلاحا سياسيا وتعليق العمل بالمعاهدة الخاصة بالقوات التقليدية في أوروبا والتهديد باستهداف دول آمنة بالأسلحة النووية.
وأضافت أن "الصورة التي ترتسم نتيجة هذا السلوك هي أن روسيا تزداد تسلطا في الداخل وعدوانية في الخارج"، مشيرة إلى أن جهود روسيا للانضمام إلى منظمة التجارة العالمية أصبحت الآن موضع شك وكذلك محاولتها الانضمام إلى منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي في أوروبا.
واعترفت رايس على ما يبدو بتباينات مع بعض البلدان الأوروبية حول هذه النقاط، ودعت البلدان الغربية إلى "توحيد صفوفها وكلمتها". وأضافت أنه "يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا ألا تسمحا لروسيا بالاستفادة من عدوانها، لا في جورجيا ولا سواها".
وأكدت أن الهدف الإستراتيجي الآن هو التوضيح لموسكو أنها لن تحقق الغاية من حربها ضد جورجيا وهو الإطاحة بالحكومة الحليفة للولايات المتحدة في هذا البلد وأن خياراتها تضعها في طريق له اتجاه واحد يقود إلى عزلة ذاتية وتهميش دولي.
ورفضت رايس إشارات إلى أن الولايات المتحدة وروسيا بصدد العودة إلى ما كانت عليه علاقاتهما أثناء الحرب الباردة، وقالت إن واشنطن ستواصل التعاون مع موسكو في المجالات ذات الاهتمام المشترك وفي مقدمتها دعم الجهود الدولية لوقف البرنامج النووي الإيراني.
الموقف الروسي
ميدفيديف اعتبر أن العلاقة مع واشنطن أولوية لبلاده (الفرنسية)
ولم يصدر بعد أي تعليق من وزارة الخارجية الروسية على هذه التصريحات، لكن الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف اعتمد نبرة تصالحية -قبل تصريحات رايس- داعيا إلى "عدم التفريط في العلاقات الروسية الأميركية وإغراقها في مشاكل صغيرة تعيد إلى الأذهان نماذج الماضي".
وأضاف أن العلاقات مع الولايات المتحدة تبقى بين أولويات السياسة الخارجية الروسية وتحدد إلى حد كبير الأجواء في العالم.
وأكد أنه رغم التباينات الأساسية في مقاربة بعض المشاكل الدولية، فإن بلاده مقتنعة بأن هناك ما يكفي من إمكانيات لتطوير تعاون بناء على المدى البعيد.
التعامل بحذر
وفي لندن استخدم وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس لهجة أقل حدة من خطاب رايس عندما سأل عما إذا كان على حلف شمال الأطلسي (ناتو) تغيير موقفه حيال روسيا نتيجة لأحداث جورجيا.
غيتس (يسار) دعا إلى التعامل بحذر مع موسكو (الفرنسية)
وقال غيتس للصحفيين إن الحلف يحتاج للتعامل بحذر مع هذه المسألة لأن هناك العديد من الآراء المتباينة بين أعضائه حول كيفية الرد.
ومن جهته اعتبر الأمين العام لحلف الناتو ياب دي هوب شيفر أن حل الأزمة الروسية الجورجية لا يمكن أن يتم فقط بمعاقبة روسيا.
أما المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فأكد في تقريره السنوي أن الناتو سيرتكب خطأ إستراتيجيا عبر العمل على مواصلة برنامج التوسعة رغم استياء روسيا.
وقال المعهد ومقره لندن إن على الحلف ألا يلعب "لعبة الروليت الروسية" مع الكرملين وهو يدرس كيفية الرد على استخدام روسيا "غير المتكافئ" للقوة في جورجيا.
وتساءل المعهد عن مدى مصلحة حلف الأطلسي في معاداة روسيا نظرا لحاجته الإستراتيجية لدعم موسكو في نقاط إستراتيجية مثل أفغانستان وإيران.
وقلل المدير العام للمعهد جون تشيبمان من خطر حرب باردة جديدة بين الغرب وروسيا، معتبرا أن الأزمة بين جورجيا وروسيا وضعت فقط حدا "للمرحلة الرومانسية لما بعد الحرب الباردة"، وقال إن أيا من الطرفين لا يريد هذه الحرب.